●● عندما يقع مجتمع فى دائرة العنف، يكون البحث والدراسة مهمين للتعرف على أسباب هذا العنف ووسائل إيقافه مستقبلا، وفى كارثة استاد بورسعيد، هناك جذور للاحتقان بين جماهير المصرى والنادى الأهلى، وتعود إلى عام 1945.. ثم إن من مارس الشغب قبل المباراة وبين الشوطين وبعد المباراة هو جمهور المصرى، وكان ملعب المصرى هو أرض الشغب وموقع الجريمة. إذن لابد من عقاب لمن مارس العنف والقتل، ولموقع العنف.. هذا من دستور الرياضة ومن دستور كرة القدم. ●● ومن أسف أننا فى ظرف وفى لحظة يتثاءب فيها صاحب القرار الرياضى والسياسى.. وفى تلك الواقعة كان من الواجب رياضيا وسياسيا أن يعلن صاحب القرار إيقاف فريق المصرى، وإيقاف ملعب المصرى لمدة عام مثلا، لحين انتهاء التحقيقات ثم يزيد من العقوبة وفقا لنتائج التحقيق، وكان ذلك سيوقف حملة الدفاع الجارية الآن بالخطأ وبالخلط عن بورسعيد وأهلها، وعن جمهور المصرى وملعبه كأنه لم يحدث شىء، فتكون النتائج تحول الدفة إلى صراع بين من يدافعون عن بورسعيد، وبين من يتهمون بورسعيد، مع أن الأمر لا علاقة له بالمدينة وبتاريخها وبناسها، ولكنه خاص بملعب شهد كارثة إنسانية وبجمهور وبجزء محدد من هذا الجمهور تسبب فى تلك الكارثة وكانت مشهودة للملايين.
●● فى هذا السياق لعل جهات التحقيق تراجع مشاهد ما بين شوطى المباراة، فهناك مظاهر يمكن أن تقود إلى أسباب المأساة، وفى سبيل الحقيقة ستكون المراجعة الشاملة لكل الملابسات والاحتمالات ضرورية، وكل حقيقة يمكن أن تبدأ بالشك فتنتهى إلى لا شىء أو تنتهى إلى اليقين.
●● فى تلك الكارثة توجه أصابع الاتهام إلى عدة أطراف باعتبارها مسئولة عن الاحتقان والغضب والكراهية بين الجماهير.. وتطل الحقيقة برأسها المدبب مثل الحربة، فيهرب منها من يخشاها بالادعاء بأنه لا يراها، أو بأنه لا يعرف، أو بأنه لا يدرك، أو بهجوم مضاد برأس حربة تحمل اتهامات عنيفة حافلة بالتعصب وضيق الأفق وقلة الثقافة والكذب.. ويظن الحمقى فى هذا الزمن أنهم الشجعان، وتجد هؤلاء يتخذون مواقف صارخة ومتضاربة فى قضايا خطيرة دون أن دليل وبعض الإعلاميين يمارسون الزعامة، وتلك ليست مهنية. فالإعلام واجبه الأول أن ينقل الحقيقة، وهناك مدرسة إعلامية شديدة المهنية ترى أن الصحفى ليس مسئولا عن وضع نتيجة أمام قارئه، وأنه يجب أن يفصل موقفه الشخصى عن قارئه.
●● تقرير لجنة تقصى الحقائق لاعلاقة له بالاتهام الجنائى، فهذا قرار النيابة . ومن أخطر مشاهد هذا الزمن، أن الإعلام القديم (صحافة وتليفزيون) يمارس دور النيابة، دون دليل. وأن الإعلام الجديد (فيس بوك وتويتر ومواقع) يمارس دور النيابة دون سقف، ودون أدلة، وأن الأهواء تختلط بالرأى، وأن التعصب يدفع صاحبه إلى التشويه، وأن عقدة الذنب عند أطراف، جعلتهم الأعلى صوتا وصخبا، ويبقى بين هذا وذاك وهؤلاء من يرتدون أثواب الزعامة، ومن يظنون أنهم زعماء؟