●● كان المشهد منذ اللحظة الأولى غريبا ويشير بأصبع الاتهام إلى تدبير ما، مدفوعا بتحريض صريح. شعرنا بذلك وسجلناه حين قام المئات من الجماهير التى تحتل مدرجات الدرجة الثالثة خلف المرمى بالقفز والجرى لمسافة 150 مترا نحو مدرجات جماهير الأهلى، دون الاحتفال بفوز كبير حققه المصرى.. وكان عدم الاحتفال من أهم أدلة الجريمة. ●● قرار الإحالة الذى أعلنه المستشار عادل السعيد المتحدث باسم النيابة العامة كان مفزعا بما حمله من اتهامات.. «الجريمة كانت مدبرة، وقام بها مجموعة من روابط مشجعى النادى المصرى وبعض المسجلين والبلطجية، وأنهم حملوا العديد من الأسلحة، كما أن قطع الكهرباء والإضاءة عن الاستاد كان متعمدا، وقد أثبتت التحقيقات إلقاء بعض مشجعى الأهلى من أعلى المدرجات كما أدى التدافع والترويع إلى سقوط ضحايا ووفيات، ووجهت النيابة أيضا اتهامات بالتعمد لتسعة من رجال الشرطة، لعدم توفيرهم الحماية لجماهير الأهلى والتخلى عن واجبهم فى حفظ الأمن»..
●● الاتهامات مفزعة، ونحن كما كان واضحا من اليوم الأول أمام جريمة اغتيال منظمة والفارق هائل بين حادث أو شغب ملاعب يسقط فيه ضحايا بسبب التدافع أو انهيار مدرج وبين جريمة قتل واعتداء وإيذاء من جانب مجموعة من المهاوييس والمشجعين الذين أصابهم الاحتقان بالعمى والكراهية والتعصب الذى انتشر، وقام بتغذيته «الإعلام الجديد»، الذى سمح بمساحات للمشجعين الموتورين بتبادل السباب والتهكم والسخرية بأقذع وأسوأ الألفاظ.. كما ساهم بعض الإعلام فى إشعال النار والاحتقان بلغة سوقية غير مسئولة، وبإعلان خيالات كأنها حقائق، وتداول شائعات مصنوعة على أنغام الدخان الأزرق وبثها ونشرها كأنها أخبار.. فيما سكتت الدولة وصمت القانون، وتغاضت الشرطة حين كانت فى أوج قوتها وسلطتها أيام حبيب العادلى أمام أحداث عنف وحرق وتدمير لصالات مغطاة ولحافلات فرق، واعتداءات صارخة ضد أعضاء أندية على مدى خمسة أعوام (الوقائع ثابتة كلها ومسجلة) دون إجراء واحد جاد يوقف هذا العبث الذى كانت نهايته اغتيال عشرات الشباب بدوافع الحقد والكراهية والتعصب المريض.. كيف صمت المجتمع كله أمام تلك الأحداث المرعبة طوال السنوات الماضية؟ كيف أيضا تحول هذا المجتمع من الصمت إلى التدليل لممارسى العنف ولمن يبثون وينشرون الكراهية والتعصب؟
●● نحن الآن أمام قرار الاتهام والإحالة، وتبقى المحاكمات السريعة والعادلة التى تحقق القصاص من كل من تثبت إدانته، وعلى الرغم من أسفى وغضبى الشديد بسبب الانتظار لكارثة مثل مأساة استاد بورسعيد كى يتذكر الجميع الروح الرياضية والتكاتف، ويدركون كل معانى الرياضة الجميلة وقيمها النبيلة، على الرغم من أسفى وغضبى، فإن الكارثة قد تكون بداية لتجريم الشغب، واعتبار تدمير الأتوبيسات وحرق المشجعين، والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة، والسباب العام، وأناشيد العنصرية والهجاء.. جريمة تستوجب الحساب..
●● سوف تكون الكارثة بداية لإصلاح حال الرياضة، وحال مناخها الذى أفسدته مظاهر التعصب وانحطاط الأخلاق، وغياب القانون.. فكل إصلاح فى تاريخ البشرية كان له ضحايا، ومن أسف أن الضحايا هذه المرة كانوا من المشجعين الذين اغتالتهم يد الغدر والخسة.. وأصابع الاحتقان؟