آه لو كنا نتعامل في كل مواقف الحياة وأحداثها بنفس الإخلاص الذي نتعامل به مع كرة القدم ، بكل تأكيد كنا تغيرنا للأفضل منذ أكثر من ثلاثين عاما .. الذي يشاهد الآلاف من مشجعي الكرة في مدرجات الأهلي والزمالك و الإسماعيلي وغيرها وهم يهتفون ويشجعون في فورة من حماس وقوة وعنفوان وهيستيرية تصل لحد التعصب حتي تخال أنهم أسود بالمدرجات ، يتعجب كثيرا عندما يراهم خارجها منتهي التخاذل واللامبالاة والإستسلام لواقع مرير لا يقبله أقل الناس شأنا ..!! فما الفارق بين ما يحدث في مدرجات الكرة ، وما يحدث خارجها ، لماذا تتلبس الفرد من مشجعي كرة القدم خاصة الشباب منهم شجاعة هائلة وهو يواجه أفراد الشرطة و قوات الأمن المركزي بشراسة لا نظير لها ، ويعترض عليهم ويتشاجر معهم ويهاجمهم وهو علي إستعداد لأن يموت دفاعا عن فريقه ولاعبيه وأقرانه من المشجعين ، بل ويضحي بمستقبله عندما يثير الشغب وهو يعلم يقينا عاقبته لو تم القبض عليه .. بينما علي الجانب الآخر لا ينتابه أي نوع من الحماس أو الثورة أو حتي الغيرة ، أمام هضم حقوقه المعيشية والمستقبلية والتعليمية وغيرها ، ولا يتحرك قيد أنمله للمطالبة بأبسط ما يتعلق بحريته و هويته في وطنه .. أي نوع من البشر هؤلاء ..؟؟ .. لا أحد يجيب علي تساؤلي بأن الخوف علي المستقبل يجبرهم علي الصمت كما تعودنا أن نجيب ، خاصة أنه سبق و أوضحت أن الغالبية منهم علي إستعداد للموت و الإصابة و الإعتقال بما يمارسونه من شغب وتهور في مباريات كرة القدم وهو ما يحدث كثيرا .. و آخرها حبس جماهير للزمالك وآخرين للأهلي في الفترة الاخيرة بسبب الشغب .. .إذن النتيجة واحدة في كل الأحوال ، فما تفسير ذلك التباين الواضح في المواقف .. بكل صراحة أعياني التفكير ولو أتوصل إلي إجابة مقنعه توضح تلك المعضلة النفسية المستعيصة علي الفهم .. كما أنني لا أطالب هؤلاء بالشغب والتحطيم للمالطبة بحقوقهم ، بل يمكنهم بالإدارة والتصميم الحصول علي مبتغاهم ، لكنهم أيضا لا يفعلون .. !! هذه ملاحظة تشغل بال البعد لله منذ فترة ، أما الملاحظة الآخري فهي مخزية بعض الشيئ ، تجد الناس أمامها صامتين صمت القبور ، وأتحدث عما يسمي برابطة مشجعات الأندية الكروية ، والتي بدأت تطفو علي السطح مؤخرا ، متمثلة في رابطة مشجعات الزمالك ، ومثيلتها في الأهلي .. وغيرها من الأندية ! كيف نسمح لأنفسنا ونحن الشعب المحافظ بقبول ظهور مثل تلك الروابط في مدرجاتنا ، دون أن نعترض أو حتي نبدي التحفظات علي ما يحدث ، بل ان البعض بدأ يشيد التجربة .. هكذا مرة واحدة .. كدلالة علي التمدين والتحضر .. ؟؟ عن شخصي أنأي بنفسي عن التواجد بالمدرجات رغم أنه عملي ، في ظل ما نراه يحدث من سباب وتطاول وشجار وألفاظ خادشة للحياء وهتافات تصل لحد السفالة بين مشجعي الفرق المتبارية وعري ورقص مبتذل وإشارات فاضحة من بعض أفراد المشجعين بل واللاعبين من ذات الإصبع واليد وغيرها ، فيكف نقبل علي بناتنا أن يجلسن وسط هذا الجو الفاسد ، وكيف يقبلن هن علي أنفسهن التواجد في مثل هذه الأجواء الغير طبيعية ..؟؟ مخرجو المباريات أنفسهم يقومون بمنع الصوت في حالة السباب الجماعي حتي لا يسمعه المشاهدين في البيوت فيخدش حيائهم ، فمن يمنع الصوت في ملعب المباراة حتي لا يصل إلي فتيات المدرجات ؟ هي جريمة إذن .... نشارك فيها جميعا ، الأسرة ، الأب ، الأم ، الأخ ، الزوج ، الفتاة نفسها ، المتابعون ، النقاد ، المشاهدون ، وكل من يري ما يحدث ويصمت ولا يتحدث .. في مباراة الأهلي الأخيرة ، رأيت منظرا منفرا في المدرجات ، ثلاث فتيات يتراقصن بميوعة وسط آلاف المشجعين من الشباب ، ليهتفن لأبو تريكة وشيكا ، فما الذي تتوقع حدوثه عندما نضع النار بجوار النزين ..؟ ثم نجلس لنتباكي بعد وقوع الكارثة .. ! طبعا سيخرج المدافعون عن المدنية والتحضر ليهاجمون العبد لله ، فقد جئت لهم كما يقولون بموضوع علي طبق من فضة ، وهم لا يبرعون إلا في الجدل والجدال فقط كما الببغاوات لا أكثر ولا أقل .. لكن علي الجانب الآخر أعتقد أن نجما مثل أبو تريكة مثلا لو شاهد تلك المناظر المؤسفة ، فلن يرضيه ما يحدث وهو المعروف بأخلاقياته وتدينه ، فما المانع أن يخرج بل واجبه أن يخرج ليطالب بوقف مثل تلك المهازل ، ظني أنه في تلك الحالة سيمتثل لرأيه وينتصر له كثيرون ، وتكون البداية الصحيحة .. أما عن فتيات مصر المهذبات ، فلهن الحق في مشاهدة كرة القدم ومتابعتها ، وتشجيع أي فريق يملن إليه ، لكن الإلتزام بالجلوس في البيت أفضل مليون مرة من الذهاب للمدرجات في مثل هذه الظروف والأجواء وهو مكان لا يناسبهن مطلقا ، فما الفائدة المرجوة من تواجدهن هناك ..؟؟ لا أعرف وأريد أن يجيبني أحد إجابة مقنعة ..