هذا يوم الفرقان لأنه أول يوم يفصل فيه فصلا واضحا، ويفرق فيه تفريقا ظاهرا بين المؤمنين وبين الكافرين فقد علت كفة الإيمان وارتفعت راياته، وكسرت شوكة الكفر ورغمت أنوف الكافرين.. وهو يوم التقى الجمعان مدفوعان بقوة غيبية فقد خرج كل جمع منهما لتحقيق أمر، وأراد الله لكل منهما أمرا آخر. فالحق الذى لا مرية فيه كما رأينا أن المسلمين قد خرجوا غير محاربين وليس بهم رغبة القتال ولا الاستعداد له، إنما خرجوا يطلبون حقوقهم المسلوبة التى نهبتها قريش. ولكن الله أراد لهم الحرب والنصر. ولذلك ترى القرآن يذكر فضل الله على عباده المؤمنين إذ اختار لهم أفضل مما اختاروا لأنفسهم.. فقد طلبوا الحقوق المادية الضائعة وإختار لهم الله أن يعطيهم ما ضاع منهم ويزيدهم النصر والثبات، ويمكنهم من إذلال عدوهم ويشفى صدور قوم مؤمنين. فأنظر التدبير الإلهى (لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) 8 الأنفال. هكذا فإن الله هو الذى أخرجك، هذه هى الإرادة الإلهية الداعمة للمؤمن، الذى يلتزم منهج الله فقد تعهد الله بنصره وتأييده. فالخروج بتدبير إلهى على الجانبين، المسلمون يطلبون الحق الذى ضاع، وقريش تحمى ما تحت يدها وتحرص على كرامتها.. وتفر التجارة وينجو أبوسفيان وتتغير الخطط على الجانبين بفضل مستجدات الظروف. فالمسلمون يستشرفون للجهاد وتأديب المغرورين.. أما قريش فرغم فرار أبوسفيان ونجاة التجارة يستهدفون حمية الجاهلية وإبراز الشوكة وتأكيد الهيبة.. هكذا فكر أبو جهل.. ولكن الله أراد لهم الهزيمة والذل.. ويأت يوم الجمعة 17 رمضان وعند ماء بدر يلتقى الجمعان فى مواجهة مكشوفة أحكم الله تدبيرها ودبر الله وحده زمان ومكان اللقاء دون تحديد مسبق من الطرفين «إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى وَ الرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَ لَوْ تَواعَدْتُمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِى الْميعادِ وَ لكِنْ لِيَقْضِيَ اللّهُ أَمْرا كانَ مَفْعُولا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَة وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَة وَإِنَّ اللّهَ لَسَميعٌ عَليمٌ» الأنفال (42). ويزداد الدعم الإلهى وتتوالى بركاته فإذا الغيب يغرى الجانبين إغراءا شديدا بالقتال إذ يرى كل فريق نفسه أكبر من الفريق الآخر وأنه قادر على النصر فإذا القلة المسلمة عددها يتكاثر.. وعلى الجانب الآخر يرى القرشيون كثرة جندهم وقلة المسلمين. هذا ما ذكره القرآن «وَإِذْ يُريكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فى أَعْيُنِكُمْ قَليلا وَ يُقَلِّلُكُمْ فى أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللّهُ أَمْرا كانَ مَفْعُولا وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ» الأنفال (44)