يقبل المجلس العسكرى النقد كما يؤكد غالبية أعضائه، لكنه لا يقبل الإساءة، وربما أنت وأنا أيضا لا نقبل له الإساءة، لكن المفترض كذلك أن يقدم المجلس العسكرى ما يوحى لك بأنه بنفس القدر لا يقبل الإساءة لهذا الشعب، باعتباره قطعا أقدس من كل العسكر، والمالك الحقيقى والوحيد والشرعى للقوات المسلحة كما تعرف ويعرف كل العسكر. مرة أخرى سأقول لك إن هذا المجلس يساوى رئيس الدولة، عندما تنظر إليه أو تتعامل معه، نح جانبا هذه الحلة العسكرية وتعامل مع هؤلاء أولا باعتبارهم المجلس القائم بأعمال رئيس الجمهورية، وثانيا باعتبار أن هذه الوظيفة «المدنية» لا ارتباط بينها وبين القوات المسلحة كمؤسسة عسكرية لها تشكيلات ومهام وتاريخ وضع متكرس وغير قابل للمزايدة أو التشكيك. عندما هاجمت أسماء محفوظ إذن هذا المجلس حتى لو بتجاوز فى القول وليد انفعال كانت تهاجم القائمين بأعمال رئيس الجمهورية، كانت توجه نقدها القاسى وتحذيراتها الصادمة إلى «جنرالات» يعملون مؤقتا فى وظيفة مدنية، وكان السبب الرئيس لهذا الهجوم هو ممارسات هؤلاء الجنرالات لوظيفتهم المدنية وأدائهم السياسى وليس العسكرى فى إدارة شئون البلاد. ليس من حق رئيس الجمهورية إذن أن يحيل مواطنا إلى محكمة عسكرية لأنه تطاول عليه أو أهانه، مبارك نفسه لم يفعل ذلك مع إبراهيم عيسى ولا حسن نافعة ولا حتى عبدالحليم قنديل الذى قال له ذات مرة «إنى أتقيأوك»، من حق الرئيس أن يذهب إلى النائب العام لنيل حقه كمواطن، وأن يخضع بلاغه لإجراءات عادلة ودقيقة من تلك التى يحرص عليها بتزيد شديد لمبارك وشركائه فى قضايا فساد وقتل وربما عمالة. أساء المجلس العسكرى إلى الشعب المصرى حين أحال أسماء لمحكمة عسكرية، وحين استخدم القضاء العسكرى فى تصفية خصوماته السياسية التى وللأسف الشديد بدأت تظهر دون مبرر مع تيارات بعينها، يصاحبها قدر واسع من التوعد والتربص والترصد والتصيد كذلك. أساء المجلس العسكرى إلى الشعب المصرى حين أحال أسماء للقضاء العسكرى لأنها «أهانته» ودافع بكل قوة عن تقديم مبارك ونظامه لمحاكمة مدنية طبيعية عادلة مع أنهم أهانوا شعبا بكامله ووطنا بتاريخه وحاضره ومستقبله. هنا تبدو أمامك وكأن عقيدة مترسخة فى ذهنية المجلس ربما بأنه أقدس من الشعب الذى يملكه، وإهانته جرم لا يغتفر ولا يستحق حتى التحقيق العادل الطبيعى، بينما إهانة الشعب فيها قولان كثير. «أهانت» أسماء أعضاء المجلس ورئيسه، وأهان بعض من أعضاء المجلس مصريين كثيرين وجهوا إليهم اتهامات بالعمالة والخيانة والتخريب والانحلال، من نشطاء سياسيين إلى كتاب مرموقين دون تقديم دليل دامغ على هذه الاتهامات حتى الآن، وانتهت «الإهانة» الأولى بكفالة باهظة ومحكمة عسكرية لأن المتهمة فيها مواطنة مدنية والمتضرر عسكرى، وبقيت «الإهانة الثانية» حبيسة أدراج التحقيقات لأن المتهم فيها عسكرى والمتضررون مواطنون مدنيون. أى تميز يسعى العسكر لتكريسه لأنفسهم على حساب الشعب وعلى حساب القانون، وأى إهانة يسعى بعضهم لتوجيهها لهذا الشعب، بدءا من تدليل مبارك وصحبته فى محاكمات طبيعية رغم فداحة الجرم، والتنكيل بالآخرين فى محاكم عسكرية، وكأن إهانة العسكر أعظم من قتل الآلاف وتبديد ثروات الأجيال ونهب أموال الشعب، ولماذا لا يأخذ العسكر حقهم ممن يتعرض لهم بذات الوسيلة التى ارتضوا أن يأخذ بها الشعب حقه من مبارك وعصابته؟! أكتب هذه السطور على سبيل «انتقاد» المجلس العسكرى، لكننى لا أملك شيئا إذا اعتبرها أحد أعضاء المجلس «إهانة أو إساءة»، فأنا فى النهاية وللأسف مجرد «مواطن مدنى» أدفع ضرائبى، لكن لا يجرى فى عروقى «دم العسكر»، وربما لا يجوز أن أكون أنا وأى جنرال فى المجلس القائم بأعمال رئيس الجمهورية، سواسية أمام القانون..!