في روايته "الطواحين وأنا "لا يحارب الكاتب الأردني الفلسطيني الأصل عباس أرناؤوط أعداء وهميين، تمثلوا له في صور طواحين هواء، بل أعداء فعليين، بعضهم بشر من لحم ودم، وبعضهم مجموعة من المصالح والأفكار التي تتحكم في هذا العالم. يتحدث أرناؤوط عن التشرد والآلام والعذاب في سبيل الحصول على لقمة العيش، ويقول عن الوعود التي أغدقت على الفلسطينيين عند تشردهم بعودة سريعة إلى ديارهم: "أيام ونعود. أكثر من ستين عاما ولم نعد. كنت تحسب المسافة بين عمان والقدس زمن ساعة، فإذا هي سنوات وسنوات، وعمر يطول وغربة لا تنتهي".
ويتحدث عن وجع الانتظار ومرارة التشرد: "أيام ونعود.. البيت غرفة واحدة واسعة أمامها ساحة فيها نطبخ ونأكل ونغتسل، ونحن أكثر المهاجرين حظا، فللغرفة سقف، وخيام اللاجئين بلا سقوف، يسكن الغرفة أحد عشر كوكبا، أبي وأمي وأطفال تسعة".
يكتب المؤلف بمزيج من القصة والشعر والنقاش العادي مع القارئ، ومع هذه الحياة نفسها، وينتقل من جو شعري إلى آخر. يتحدث عن البداية ويسجل اختلاط البدايات والنهايات، إذ يقول: "قال الطبيب لأبي زوجتك مريضة لا يلائمها هواء القدس القديمة، خذها إلى جبل الزيتون في الطور".
ويروي أرناؤؤط قصة حياة بطل الرواية، يتحدث عن سفر له، فيقول في وصف لم يعد يقتصر هذه الأيام على الفلسطينيين فقط: "هبطت الطائرة في مطار عربي. أحسست بالخوف بلا سبب أعرفه، لكنني أعرف أنني مواطن عربي، والمواطن العربي عندما يدخل مطارا عربيا هو متهم حتى تثبت براءته. عليه أن يتوقع الإهانة والقرف والبهدلة ربما لحلم رآه في المنام".
ينهي أرناؤوط الرواية بقصيدة طويلة، يقول لأمه: "نعم يا أمي، أحب الحياة إلى حد العشق، والعشق إلى حد الحرية، والحرية إلى حد الموت، والموت إلى حد الحياة. رفعت رأسي. الحصان ينتظر فارسًا، انحنيت على يد أمي قبلتها. الطواحين أذرعها سود ملتهبة كالشياطين. لكز الفارس حصانه. تلك هي القصة، الطواحين وأنا".