فى 4 نوفمبر 1839 وبالإسكندرية التقطت أول صورة شمسية فى أفريقيا؛ داخل قصر محمد على، الذى انبهر بالاختراع العجيب معلقا بدهشة «أن هذا من عمل الشيطان»، ففى زمن كان الرحالة والرسامين يطوفون البلاد بريشاتهم وألوانهم ماكثين أياما وأسابيع فى نقل النقوش من جدران المعابد والمسلات، وانطباعاتهم عن الحياة المصرية لنقل لمحات صادقة ومعبرة عنها؛ من مظاهر فرح المجتمع واحتفالاته بالمناسبات الاجتماعية المختلفة، ومشاهد من حياته اليومية؛ أصبح فى استطاعة شخص واحد أن يقف لدقائق محددا المشهد المراد نقله على الورق ولكن هذه المرة ليس بالريشة والألوان كما هى العادة بل بآلة حديثة ملتقطا لقطة طبق الأصل دون عناء الرسم والتلوين، وذلك بفضل جاك مانديه داغير الذى اخترع آلة للتصوير الشمسى فى فرنسا عام 1839 فكانت طفرة فى عالم التوثيق البصرى. كانت مصر من أولى بلدان العالم التى حظيت باهتمام المصورين الجدد، فقبل مضى شهرين على اختراع داغير وانتشاره فى فرنسا كانت جحافل من المصورين يطرقون أبواب مصر لالتقاط الصور النادرة بتلك التقنية الحديثة، وكان من أوائل المصورين الفوتوغرافيين الذين وفدوا على مصر هوارس وفرنيه وجيرار ده نرفال ومكسيم دوكان وغيرهم، واحتلت معابد مصر وأهراماتها الصدارة بين الصور الفوتوغرافية الأولى التى التقطت فى أربعينيات القرن التاسع عشر، واستطاع مكسيم دوكان أن يلتقط صورا نادرة لواجهة معبد أبوسمبل تعلوه الرمال، وأخرى لأهرامات الجيزة وأبوالهول. صور كثيرة نادرة حرصت ذاكرة مصر المعاصرة على إتاحتها عبر الموقع الإلكترونى لتضيف إلى مجموعتها المتنوعة من الصور التى بلغ عددها أكثر من 59 ألف صورة، بعضها يتمتع بمذاق خاص تتنسم فيه نسيم الشرق وعبق الماضى الجميل لتأخذك للحظات إلى زمن اللقطة المصورة التى تجاوز عمرها مائة عام. ومن بين المجموعات الجديدة التى تعمل ذاكرة مصر المعاصرة على إتاحتها ليستفيد منها الباحثين والأثريين وعشاق التاريخ؛ مجموعة صور نادرة لمتحف بولاق، ولعل الكثير لا يعلمون بأمر هذا المتحف، إنه أول دار لتجميع وحفظ الآثار أنشأه مرييت باشا لحفظ آثارنا من السرقة والتهريب إلى الخارج، فاستطاع أن يجمع ما يعثر عليه فى الحفائر داخل المتحف وألتقط له مجموعة رائعة من الصور قبل أن يغمر المكان الماء نتيجة لفيضان النيل فانتقلت المجموعات إلى الجيزة ومنها إلى المتحف المصرى، وترجع أهمية مجموعة متحف بولاق إلى ندرتها وجودتها العالية، وقيمتها الفنية والأثرية فى تسجيل صفحة من تاريخ الاهتمام بآثار مصر داخل مبنى لم يعد له وجود الآن.
وتجرى حاليا إضافة مجموعات نادرة، ترجع إلى ثمانينيات القرن التاسع عشر، منها مجموعات بياتو وفريث وبلانكار، فكم من الصور النادرة التى يجد الباحثين صعوبة فى الحصول عليها تتاح الآن عبر الموقع، وذلك بعد مراحل من العمل الشاق فى سبيل الحصول على نسخة من تلك الصور من خلال المجموعات الخاصة التى يمتلكها بعض الأفراد أو بالمراسلات التى تتم مع كبرى المكتبات والجامعات التى تحتفظ بأصول تلك النوادر، وبالشراء من مصادر مختلفة من خارج مصر، ثم رقمنتها وتوثيقها، لعمل مكتبة من الصور بريشة وعدسة المصريين والأجانب الذين اتفقوا على عشق مصر والولع بحضارتها. كما يعمل فريق الذاكرة على التوثيق التاريخى والفنى للمصورين الذين جاءوا مصر فى منتصف القرن التاسع عشر من خلال إتاحة سيرهم الذاتية وعرض أعمالهم الفنية لتكتمل صورة مصر فى عيون الآخر.