كيف يتوقع الناشرون مستقبل صناعة النشر في ظل صعود تيارات الإسلام السياسي في العديد من الدول العربية؟ هل يقفون ضد حرية التعبير ليدخل النشر مرحلة القمع والمصادرة؟ وماذا يتوقعون حجم الخسارة التي سيتكبدونها في حال فرض سيطرتهم وأفكارهم وآرائهم المتشددة؟ تساؤلات توجهنا بها إلى عدد من الناشرين العرب في محاولة لاستطلاع آرائهم حول أمر حيوي له تأثيراته على مستقل الفكر والثقافة والإبداع في العالم العربي. الناقد والروائي أيمن الغزالي صاحب ومدير دار نينوي ورئيس تحرير مجلة "جدل" رد بتساؤل "ماذا كان مستقبل الكتاب أمام اليسار العربي؟ والآن ما هو مستقبل الكتاب في ظل بروز تيارات الإسلام السياسي؟" وأضاف "يجب أن نكون ديمقراطيين إلى حد ما ونقبل الأطياف الأخرى في المجتمعات العربية، لأن التهميش مرة أخرى سيعيد المشكلة من جديد، أما فيما يتعلق بالكتاب ومستقبله، المشكلة لا تتعلق في ظهور تيار على حساب الآخر، المشكلة في الكتاب العربي هو التربية والثقافة بشكل عام".
حول وجود مواقف ثابتة لتيارات الإسلام السياسي في التاريخ المعاصر من الليبرالية والعلمانية وما يداخلهما من أفكار وإبداعات أكد الغزالي أن التيارات اليسارية أيضا كان لها مواقف ولها حدود ومناطق حمراء ومناطق خضراء، وتتعامل مع الأشياء كما يتعامل الإسلاميون والسلفيون، لماذا إذن نعتبر تعامل هؤلاء جيدا وتعامل هؤلاء غير جيد، يجب أن نكون ديمقراطيين، وهذا لا يعني أنني مع التيارات الإسلامية والسلفية أو العكس، لكني إنسان يتطلع إلى الديمقراطية والحرية بمجملها، ويجب أن يقود هذه العملية الدول والمؤسسات الثقافية الخاصة والحكومية، وتصبح هذه التيارات جزءا من هذا المجتمع.
ووافق الغزالي على ظهور هذه التيارات "أنا موافق على أن يظهر كل شيء ما دام هو حقه، لماذا نقبل أن يظهر مثلا حزب ما في دولة ما في الغرب هي تيارات، وهناك تيارات مسيحية تظهر في الغرب وهو مسيحي، لماذا نعتبر ظهور أي أحزاب إسلامية لسدة الحكم في العالم العربي، وهم يمثلون قوام هذه المجتمعات، أمر مستهجن؟".
وأضاف "قمع حرية التعبير والمصادرة في الأساس موجودة وستبقى، كانت موجودة في حكم التيارات اليسارية والسلطوية، وستبقى في حكم التيارات السلفية، والحل برأيي قيام دول ديمقراطية تنالها الحرية والدستورية القانونية.
وردا على تساؤل كون التجربة التاريخية فيما يتعلق بمواقف الإسلاميين من الكتابة ومن حرية التعبير مواقف سلبية قال: "ملاحظتك دقيقة جدا ولكن هذا لا يتعلق بالتيارات الإسلامية كفكر أو منهج، والدليل على ذلك أن التراث العربي ملئ بالكتب الممنوعة الآن من قبل الحكومات الليبرالية والعلمانية، إذن المشكلة الآن في حاملي هذا الفكر، وهي تيارات سلفية حاملة لأفكار مثلما هناك بعض تيارات علمانية لأفكار خطأ هي ضد العلمانية نفسها وضد الحرية والديمقراطية، يعني مثلا الحكومات التي صعدت بعقد شعبي ثم أصبحت مستبدة هل للفكر علاقة بذلك؟ هي أصبحت مستبدة، وهؤلاء الذين حملوا تيارات الفكر الإسلامي وأصبحوا مستبدين ورجعيين وسلفيين هل للفكر علاقة بذلك؟ هذا سؤال مهم يجيب الإجابة عليه، إذن بنية المجتمع العربي، الذهنية العربية لا تقبل شيئا، لا السلفية ولا العلمانية ولا الديمقراطية ولا الحرية، ومن ثم يجب إعادة إنتاج هذه المجتمعات بطريقة أكثر قيما ونبلا وأخلاقيات، وهذه مسئولية سلطات ومجتمعات وليس مسئولية أفراد".
ورأى الغزالي أهمية أن يكون هناك تكاتف وطني في كل دولة أو مع الدول العربية مجتمعة من أجل إيجاد نخب لهذه المجتمعات تشارك السلطة في قيادتها".
وأكد الغزالي أن ما قاله ليست مثالية، وقال "اثبت لي أن هناك حلا آخر سوف يحل هذه المشاكل الموجود الآن على الساحة العربية، هناك مشاكل تظهر وأخرى تختفي والمشاكل التي تختفي موجودة تحت الرماد، والمشاكل التي تظهر أصبحت متداولة في الشارع من خلال القمع والسلاح والموت والدمار، أنا لست مثاليا أنا أطرح الواقع وأحدده وأصفه، لا أجمّل ولا أتخيل، وليس الموضوع مثل إمبراطورية أفلاطون، إنني أبحث عن حل جذري لقيمنا لأننا نتاج قيم، هكذا أنظر للموضوع".
وحول ما إذا كانت مجلة "جدل" تحمل نفس الرؤى التي طرحها قال: "لا، المجلة تختلف كمنهج حيث أن هناك هيئة تحرير ومستشارين لها تختلف عن أفكاري التي هي ليست نتاج قناعات مطلقة ومحددة، ولكن هي نتاج مخاض يجري حاليا على الساحة العربية".
ورأت رنا إدريس مديرة دار الآداب اللبنانية أن النشر لن يتأثر بهذا الصعود لتيارات الإسلام السياسي إلا إذا بدأت سياسة الدولة في منع كتب معينة من الدخول والتشديد الرقابي على الكتب الفكرية والإبداعية والجنسية، هناك دول فيها صعود إسلامي لم تتأثر الرقابة فيها حتى الآن.
وقالت: "حتى الآن لم نتأثر بالرقابة الإسلامية على الكتب، ولا ندري، ربما يكونون من الذكاء بحيث لا يستعملون هذه السلطة لفرضها على رقابة الكتاب".
ولا تتوقع إدريس قمعا للحريات في مجالات التعبير، وقالت: "هذا الصعود لتيارات الإسلام السياسي كان مرفقا بصعود شبابي، هؤلاء الشباب يحاولون أن يكون عندهم لغتهم وطرائق تعبيرهم الخاصة والمستنيرة، لذا أعتقد أن الشباب هم من سوف يحمون هذه الثورات من الصعود الإسلامي، فلا نستطيع إنكار دور الشباب العلماني والليبرالي في ثورة مصر أو تونس أو سوريا، لذا آمل أن يكون الإسلاميون أرحم من الحكام الماضين ولا يأخذوننا إلى الوراء".
ولفتت إدريس "صناعة النشر سوف تتأثر حكما ولكن ليس بالصعود الإسلامي وحده، هناك عوامل اقتصادية قوية ستؤثر عليها، لأن الربيع العربي حتى الآن أنتج تراجعا اقتصاديا فادحا بالعديد من الدول، البعض منها كان أفضل قبل الثورة، الآن الدولار تدهور في سوريا، وفي مصر الأحوال الاجتماعية والاقتصادية لم تتحسن، وفي تونس كذلك الأمر، وهذا سيؤثر على شراء الكتاب، لأننا نحن في العالم العربي نعتبر الكتاب رفاهية وليس ضرورة، ومن ثم فإن تأثره بالتردي الاقتصادي سيكون قويا.هذا بالإضافة إلى عوامل أخرى كتطور الكتاب الإلكتروني، وتواجد معظم الكتب على الإنترنت مجانا عن طريق قرصنة غير شرعية، كل هذا يؤثر على وضع الكتاب، وليس صعود الإسلاميين وحده هو من سوف يؤثر".
وأكد محمد مسلم مدير التسويق بمركز المحروسة للنشر أن صعود تيارات الإسلام السياسي سوف يقيد حرية التعبير وينكل بالإبداع، لكن ذلك لن يكون سهلا وسوف يلقى مقاومة شرسة، وهو الأمر الذي سيفعله الناشرون في حال تعرض مهنتهم لخطر الانهيار، ذلك أن الناشرين لن يسمحوا بانهيار مهنتهم، فمن لا يستطيع الدفاع عن مهنته لا يستحق أن يكمل فيها وليتركها لغيره.
ولا ينفي مسلم محاولة الإسلاميين السيطرة على صناعة النشر، مشيرا لوجود قوى ظلامية تسعى لتدمير حرية التعبير وإغلاق الباب أمام الإبداع، والدليل ما أعلنه متحدث السلفيين في مصر المهندس عبدالمنعم الشحات من كون أعمال صاحب نوبل نجيب محفوظ تحض على الرذيلة والفجور، لكن ذلك إذا وجد المقاومة المخلصة من قبل الكتاب والمهتمين والناشرين لن ينجح لا الإسلاميين ولا غيرهم في تهديد الإبداع والنشر.