مجلس أمناء الحوار الوطني يتابع تنفيذ الحكومة الجديدة لتوصياته    مدرب البنك الأهلي: لن أخوض مباراة زد قبل مواجهة سموحة    بسمة وهبة تتنقد تقصير شركة شحن تأخرت في إرسال أشعة ابنها لطبيبه بألمانيا    برواتب تصل ل11 ألف.. 34 صورة ترصد 3162 فُرصة عمل جديدة ب12 محافظة    ملفات شائكة يطالب السياسيون بسرعة إنجازها ضمن مخرجات الحوار الوطني    بنها الأهلية تعلن نتيجة المرحلة الأولى للتقديم المبكر للالتحاق بالكليات    سعر السبيكة الذهب اليوم وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الإثنين 1 يوليو 2024    13 فئة لها دعم نقدي من الحكومة ..تعرف على التفاصيل    برلماني يُطالب بإعادة النظر في قانون سوق رأس المال    مع بداية يوليو 2024.. سعر الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم    التطبيق من 6:00 الصبح .. المواعيد الجديدة ل غلق وفتح المطاعم والكافيهات ب القليوبية    اتحاد العمال المصريين في إيطاليا يكرم منتخب الجالية المصرية في موندياليتو روما 2024    4 جنيهات ارتفاعًا في سعر جبنة لافاش كيري بالأسواق    رئيس هيئة نظافة وتجميل القاهرة يبحث مع العاملين مستوى النظافة بالعاصمة    بدء محادثات الأمم المتحدة المغلقة بشأن أفغانستان بمشاركة طالبان    الرئيس الكيني يدافع عن تعامله مع الاحتجاجات الدموية في بلاده    رودرى أفضل لاعب فى مباراة إسبانيا ضد جورجيا فى يورو 2024    زيلينسكي يحث داعمي بلاده الغربيين على منح أوكرانيا الحرية لضرب روسيا    انتخابات بريطانيا 2024.. كيف سيعيد ستارمر التفاؤل للبلاد؟    بحضور 6 أساقفة.. سيامة 3 رهبان جدد لدير الشهيد مار مينا بمريوط    يورو 2024 – برونو فيرنانديز: الأمور ستختلف في الأدوار الإقصائية    رابطة الأندية تقرر استكمال مباراة سموحة ضد بيراميدز بنفس ظروفها    موعد مباراة إسبانيا وألمانيا في ربع نهائي يورو 2024    عاجل.. زيزو يكشف كواليس عرض بورتو البرتغالي    بسيوني حكما لمباراة طلائع الجيش ضد الأهلي    بسبب محمد الحنفي.. المقاولون ينوي التصعيد ضد اتحاد الكرة    من هي ملكة الجمال التي أثارت الجدل في يورو 2024؟ (35 صورة)    امتحانات الثانوية العامة.. 42 صفحة لأقوى مراجعة لمادة اللغة الانجليزية (صور)    حرب شوارع على "علبة عصير".. ليلة مقتل "أبو سليم" بسبب بنات عمه في المناشي    مصرع 10 أشخاص وإصابة 22 فى تصادم ميكروباصين بطريق وادى تال أبو زنيمة    صور.. ضبط 2.3 طن دقيق مدعم مهربة للسوق السوداء في الفيوم    إصابة 4 أشخاص جراء خروج قطار عن القضبان بالإسماعيلية    شديد الحرارة والعظمى في العاصمة 37.. الأرصاد تكشف حالة الطقس اليوم    بالصور والأرقام | خبير: امتحان الفيزياء 2024 من أسئلة امتحانات الأعوام السابقة    التحفظ على قائد سيارة صدم 5 أشخاص على الدائري بالهرم    تحالف الأحزاب المصرية: كلنا خلف الرئيس السيسي.. وثورة 30 يونيو بداية لانطلاقة نحو الجمهورية الجديدة    بالصور.. أحدث ظهور للإعلامي توفيق عكاشة وزوجته حياة الدرديري    ربنا أعطى للمصريين فرصة.. عمرو أديب عن 30 يونيو: هدفها بناء الإنسان والتنمية في مصر    عمرو أديب في ذكرى 30 يونيو: لولا تدخل الرئيس السيسي كان زمنا لاجئين    «ملوك الشهر».. 5 أبراج محظوظة في يوليو 2024 (تعرف عليهم)    محمد الباز يقدم " الحياة اليوم "بداية من الأربعاء القادم    في أول أعمال ألبومه الجديد.. أحمد بتشان يطرح «مش سوا» | فيديو    مدير دار إقامة كبار الفنانين ينفي انتقال عواطف حلمي للإقامة بالدار    من هنا جاءت فكرة صناعة سجادة الصلاة.. عالم أزهرى يوضح بقناة الناس    تعاون بين الصحة العالمية واليابان لدعم علاج مصابي غزة بالمستشفيات المصرية    علاج ضربة الشمس، وأسبابها وأعراضها وطرق الوقاية منها    ذكرى رأس السنة الهجرية 1446ه.. تعرف على ترتيب الأشهر    تيديسكو مدرب بلجيكا: سنقدم ما بوسعنا أمام فرنسا    وزير الري: الزيادة السكانية وتغير المناخ أبرز التحديات أمام قطاع المياه بمصر    رئيس الوزراء: توقيع 29 اتفاقية مع الجانب الأوروبي بقيمة 49 مليار يورو    أمين الفتوى: التحايل على التأمين الصحي حرام وأكل مال بالباطل    هل تعاني من عاصفة الغدة الدرقية؟.. أسباب واعراض المرض    فيديو.. حكم نزول دم بعد انتهاء الحيض؟.. عضو بالعالمى للفتوى تجيب    اعرف الإجازات الرسمية خلال شهر يوليو 2024    جامعة القاهرة تهنئ الرئيس والشعب المصري بثورة 30 يونيو    أبوالغيط يبحث مع وزير خارجية الصومال الأوضاع في بلاده    محافظ الإسكندرية يطلق حملة "من بدري أمان" للكشف المبكر وعلاج الأورام السرطانية    هل الصلاة في المساجد التي بها أضرحة حلال أو حرام؟..الإفتاء توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الذكرى ال73 لرحيل القائد العام للثورة الفلسطينية عبد الرحيم الحاج البرقاوي
(الشخصية المركزية في ثورة فلسطين 1936 1939)
نشر في الشروق الجديد يوم 28 - 03 - 2012

في الذكرى ال73 لرحيل القائد العام للثورة الفلسطينية- عبد الرحيم الحاج محمد البرقاوي، يصف كبار السن والرواة في فلسطين، أن عبد الرحيم محمد البرقاوي، كان موصوفًا بحكمته واعتداله، وسعة صدره وعدم تسرعه في الحكم، وابتعد عن التدخل في المسائل الشخصية التافهة، وحصر جهوده في الإخلاص للوطن وعدم الطمع في منصب أو جاه سياسي، ويشير العارفون وكبار السن في حينه أن عبد الرحيم كان أكثر إخلاصًا من غيره من الثوار، وكان حريصًا على الابتعاد عن قضايا الاغتيال السياسي أو اللصوصية التي شًوه بها بعض الثوار وجه الثورة، حتى وصفها الأعداء والمعارضون بالتمرد والشغب واللصوصية والسلب والنهب.

ويُعد القائد المجاهد- عبد الرحيم الحاج محمد آل سيف البرقاوي، وكنيته أبو كمال، أحد أبرز وجوه الثورة الفلسطينية في عام 1936 _ 1939، لمدة تزيد عن السنة، والذي استشهد في 29 مارس من العام 1939، كان قائداً عاماً للثورة الفلسطينية، جند في الجيش العثماني وأرسل إلى لبنان حيث تلقى تدريبه العسكري في المدرسة الحربية في بيروت، تابع عبد الرحيم الحاج محمد قتاله في ظل القيادة العامة الجديدة التي ترأسها فوزي القاوقجي وانتصر في هذه الفترة أيضاً في جميع المعارك التي خاضها، ومن أهمها معركة نابلس في 24 سبتمبر 1939، ومعركة "بلعا" ومعركة "نور شمس" التي حدثت بين المسلحين بقيادة (عبد الرحيم الحاج محمد) والجنود البريطانيين، ومعارك "جبع" و"دير شرف".

في حياته وسيرته النضالية:
ولد الشهيد عبد الرحيم الحاج محمد، في قرية ذنابة، المجاورة لمدينة طولكرم عام 1892، وهو من عائلة آل سيف ذات النضال العريق والذين جاءوا من قرية برقة، فأحد أجداده ناضل مع صلاح الدين، وآخر تصدى مع مجموعة منظمة من منطقته لقوات نابليون القادمة لاحتلال مدينة عكا، حيث قبض عليه وتم إعدامه شنقًا، كما وينحدر مجاهدنا من أصول عائلة ماجدة ومالكة ذات أصول طبقية امتلكت المساحات الواسعة من الأرض وامتدت أراضيها من قرية ذنابة شرقًا حتى البحر المتوسط غربًا، ووقفت أكثر من مرة في وجه غزاة فلسطين.

تعلم عبد الرحيم في كُتاب القرية، ثم أنهى صفوف المدرسة الحكومية في طولكرم، وفي شبابه انخرط في سلك الجندية الإجباري، وعاد إلى بلده بعد نهاية الحرب.. عمل عبد الرحيم الحاج محمد في تجارة الحبوب في العشرينات من القرن العشرين، بعد أن خدم في الجيش التركي في بيروت وطرابلس الشام، وكان ذلك في الحرب العالمية الأولى.

عُرف الثائر الشهيد كتاجر للحبوب، وكان محبوبًا عند جمهرة الفلاحين في قضاء طولكرم، حيث صادقهم وتساهل معهم واستدانوا منه الكثير من المال، ولم تقتصر العلاقة على الفلاحين، بل أن صداقاته الواسعة امتدت لتطال العديد من المدن الفلسطينية القريبة من قريته.

أمسى عبد الرحيم الحاج محمد بعد فترة من العمل التجاري يعاني عجزًا ماليًا، حيث فقد رصيده المالي وأرهقته الضرائب الباهظة، ووضعت السلطات البريطانية يدها على ماله فأعلن عجزه وإفلاسه المالي وباع متجره وكان ذلك قبل انطلاق الثورة بسنوات، وتحول نحو الزراعة، فزرع أرضه في "دبة القراية" على بعد ثلاثة كيلو مترًا غربي طولكرم، وفي هذا المكان زرع البطيخ والترمس وحفر عيون الماء، بالتعاون مع أقربائه وزرع الخضروات بصنوفها المختلفة.

لمحات من مشواره النضالي:
بينما كان يقوم شيخ المجاهدين عز الدين القسام في جامع الاستقلال بمدينة حيفا على توعية الناس ونشر فكرة النضال المسلح للوقوف في وجه الخطر الصهيوني في فلسطين، كان البطل عبد الرحيم الحاج محمد يقوم بدعوى مماثلة في منطقة طولكرم، وقد لقيت دعوته نجاحًا بين صفوف الفلاحين، وكذلك سكان المدن الذين أحبوه، وأخذ يجمع التبرعات لشراء الأسلحة ويقوم بتدريبات سرية لبعض أصدقائه في المناطق الشرقية من ذنابة، مستغلاً خبرته العسكرية السابقة إبان خدمته في الجيش التركي.

ويذكر داود الحسيني في مذكراته، أن عبد الرحيم التقى به في مقهى المغربي بيافا حيث يجلس داود وإخوانه وهو يتباحث مع إخوانه فيما وصلت إليه أحوال فلسطين، ووصفه بأنه طويل القامة يلبس الكوفية والعقال والقنباز، "وقد جلس معنا وأظهر لنا استعداده للعمل الجدي في الجبال، وذلك عن طريق تأليف فرق من الشباب النشيط لمهاجمة البريطانيين بالسلاح، وقد استمر النقاش ساعة بعد أن انسحب اثنين من الحاضرين أظهرا عدم رغبتهم في حمل السلاح"، وتمخض الاجتماع على ما يلي:

"يعود عبد الرحيم إلى منطقته لتأليف الشباب في فرق وإشعال نار الثورة فيها.. ويقوم داود الحسيني بجمع المال والإعانات لمساعدة الثوار الفلسطينيين، وشراء السلاح والعتاد وإرساله للمجاهد عبد الرحيم وإخوانه، وقد نجح داود وصديقه في جمع 250 جنيهًا، وأرسل له حوالي عشرين بندقية مع عتاد وعدد من المسدسات وصندوق أصابع ديناميت، وهكذا انطلق بأعماله الثورية، وتلا ذلك اتصال داود وصديقه بعارف عبد الرزاق"، ويؤكد الأستاذ سميح حمودة، على أن الثورة بدأت في هذه المنطقة وليس صحيحًا ما ذهب إليه إميل الغوري في أن الثورة بدأها رجال الجهاد المقدس بقيادة عبد القادر الحسيني، وأن عبد الرحيم الحاج محمد وعارف عبد الرزاق كانا عضوين في هذا التنظيم".

التقى بالمفتي وطلب تقديم السلاح من أجل القيام بالأعمال الثورية في جبال نابلس.

ولقد أعد عبد الرحيم هذه المجموعة للقيام بأعمال اغتيال ضد جنود العدو وضباطه، وضرب المستعمرات اليهودية القريبة من طولكرم وجنين، كما نشط في إتلاف محاصيلهم الزراعية وبياراتهم وقد أطلق على منطقة نابلس وجنين وطولكرم "مثلث الرعب" وذلك لشدة الهلع والذعر الذي أصاب الجنود البريطانيين واليهود في تلك المنطقة.

ومع استشهاد القائد عز الدين القسام في العشرين من شهر نوفمبر عام 1935، بات عرب فلسطين مقتنعين بضرورة رفع راية الكفاح الشعبي المسلح، وكان أحد أبرز هؤلاء عبد الرحيم الحاج محمد وقد تعزز ذلك إبان الإضراب الكبير، وما تلاه من خروج للثوار لأعالي الجبال.

بعد أن نجحت الجماهير الفلسطينية في تحقيق الإضراب الشامل خاصة في المدن، أخذت تتحول نحو شكل آخر من النضال يتمثل في الكفاح المسلح وركوب أعالي الجبال، وفي هذه الفترة الممتدة بين 15 أبريل 1936 والأول من سبتمبر 1936 حيث حضر إلى فلسطين البطل المجاهد القومي فوزي القاوقجي، جاءت الترتيبات للعمل على انخراط أبناء الريف في هذه المنطقة مع الثورة وقادتها، وليشكلوا رديفًا لها ومنها قرية بلعا، وكفر اللبد وارتاح وكفر صور وبيت إمرين ودير الغصون.

وعن هذه الترتيبات التي تمت بين الفلسطينيين والمتطوعين العرب، وكان ملخصها حسبما يذكر سميح حمودة ما يلي:

"تقسيم شباب القرى إلى قسمين أحدهما للجهاد والثاني للاحتياط، وتبادل الأدوار مع مراعاة أن تفرض الأسلحة على القرية بنسبة عدد رجالها، ويعمل الاحتياط في حراسة الثوار عندما يمرون في قراهم، كما أن القرى تجمع مالاً لذوي الشهداء، ويقوم داود الحسيني بجمع العتاد والسلاح والمعلومات عن حركات الجيش البريطاني والبوليس".

قام بطلنا عبد الرحيم الحاج محمد ومعه الثوار المغاوير أمثال: عبد الرحمن زيدان، وسعيد بيت إيبا، وعبد الحميد مرداوي، بأكثر من هجوم على القوافل والسيارات اليهودية والقوات البريطانية بعد أن توفرت لديهم كميات من البنادق الألمانية والفرنسية والتركية، والذخائر المختلفة التي كانوا يشترونها من سوريا ولبنان مقابل أسعار خيالية.

كانت قرية "ذنابة" مسرحًا لأول عملية ثورية قادها البطل عبد الرحيم الحاج محمد، فقد انطلقت أول طلقة من "جبل السيد" في ذنابة مع أوائل صيف عام 1936، ويطل هذا الجبل على الطريق الواصل بين طولكرم ونابلس والذي تعبره القوافل البريطانية واليهودية، نهارًا وليلاً، كما نشط الثوار بغاراتهم المتكررة على سجن نور شمس حيث وضعت قوات الاحتلال الإنجليزي المناضلون والمواطنون العرب رهن الاعتقال، وقد ساعد عبد الرحيم الحاج محمد في القيادة والتنفيذ كل من الأبطال كامل الحطاب والبطل سليمان أبو خليفة، والبطل إبراهيم العموري، عبد اللطيف أبو جاموس وغيرهم.

كما شاركت بعض فصائل عبد الرحيم في معركة "جبع" التي خطط لها فوزي القاوقجي، وكذلك معركة بيت إمرين ومعركة كفر صور.. ولقد عبرت الجماهير الشعبية عن حماستها للثورة ودور أبطال هذه المعركة، وأنشدت أبياتاً غنائيةً التي أصبحت جزءًا من تراثنا الشعبي ومنها البيت التالي:

بين بلعا والمنطار صار إشي عمره ما صار .. وبين بلعا والليلة والبارود يدوي دية

عودة القائد عبد الرحيم إلى فلسطين:
توجه عبد الرحيم الحاج محمد يوم 23 نوفمبر 1936 إلى دمشق خشية الوقوع في أيدي القوات البريطانية، التي أعلنت عن تقديم مكافأة كبيرة لمن يقبض عليه وعلى مجموعة من قادة الفصائل الفلسطينية، ولم يكن عبد الرحيم على ثقة بصدق نوايا بريطانيا وجهودها، ولهذا أقام صلات مع الحركة الوطنية السورية واللبنانية، واتخذ من قرية قرنايل اللبنانية ومن صديقه نايف هلال وشبابًا آخرين منطلقًا لإرسال السلاح بانتظار ساعة العودة، وشرع في التحضير لجمع السلاح والمعونات المالية حيث عاد إلى فلسطين في الفترة الواقعة بين أبريل ومايو 1937 حسبما يذكر نمر سرحان وزميله مصطفى كبها، في حين جاء في منشور في ذكرى وفاة القائد والمجاهد الكبير أن قضى عامًا في سوريا، وقد أوكل للقادة إبراهيم العموري، وإبراهيم نصار وسليمان أبو خليفة، أمور نصب الكمائن وزرع الألغام على الطريق الرئيسية وسكك الحديد لعرقلة حركات الجيش البريطاني وتقييدها، كما أن الثورة تفجرت من جديد بعد فشل جهود لجنة بيل وانحيازها الكامل للبريطانيين واليهود.

وأنشأ عبد الرحيم المحاكم الثورية للشعب بدل المحاكم الإنجليزية، وعين لها قضاة كان أشهرهم بشير إبراهيم من قرية زيتا، طولكرم. وكان عبد الرحيم يرى أن الاغتيالات السياسية شيء يبعث الفساد في البلاد، ويسيء إلى أهداف الثورة المقدسة، وجدنا عبد الرحيم يشن حربه الشعواء على الذين جمعوا المال، وبأختام مزورة، وباسم الثورة، ويشهد عدد من الكتاب اليهود والأجانب على نظافة يده وتواضعه، وأنه أفضل نموذج من بين قادة فصائل الثورة حتى كانوا منحازين للفكر الصهيوني لم يجدوا شيء يشوهون به الثائر غير القول أنه أفلس في تجارته وصار مطلوبًا للحكومة البريطانية، ولم يجد غير اللجوء للثورة للتخلص من إفلاسه وسجنه، مع أنها كانت واحدة من الأكاذيب والدعايات الملفقة.

ومع أن عبد الرحيم بقي يعاني من ديونه بالأموال طيلة سنوات الثورة، وحتى مماته بسبب خسارته في تجارته، إلا أنه رفض رفضًا قاطعًا أن يتقاضى مليمًا واحدًا لإعالة أولاده على حساب الثورة، أو سداد دينه على نفقة الثورة، بل باع أرضه لسداد ديونه وكانت تعيل أسرته من قبل أخوته وشقيقاته، لا على حساب الثورة وظل أبو كمال أرملاً إلى ساعة استشهاده.

أثر استشهاده في نفوس أبناء فلسطين:
قصته في (صانور) أنه وبعدما ضاق الجيش الإنجليزي وقادته ذرعًا بالثوار وعرضوا الجوائز لمن يشي بالقائد عبد الرحيم والثوار -وكان القائد المطلوب رقم واحد للإنجليز والإسرائيليين- قرروا نصب كمين له، وتبدأ القصة أن كبار القرية قد علموا أن الثوار وتحت قيادته قد اتجهوا إلى القرية وما أن وصلوا إلى القرية ومضوا ليلتهم حتى علم الانتداب الإنجليزي وتحركوا إلى القرية، وعلم أهل القرية فاقترح حسن الغلبان وكان أهلاً للثقة في القرية وكان يملك بيت في القرية وداخل البيت يوجد مغارة، فقام بتخبئتهم في تلك المغارة وكانت كبيره فاختبأ كل الثوار ماعدا القائد.

وهنا جاءت مقولته المشهورة في صانور (أأكون قائداً وجباناً) وحاول حسن الغلبان أن يقنعه دون نتيجة وبقي معه بدفن مدخل المغارة بالتراب، وجعل الماشية والأطفال الصغار يتغوطون على المدخل المغطى بالتراب، فكان المنظر وكأنه مكان للماشية وكان حسن الغلبان يرتعد خوفًا على مصير الثوار ولم يأبه لنفسه أو عائلته، لأن العرف في ذلك الوقت أن الإنجليز يهدمون البيوت ويعدموا من يأوي ثواراً، وجاء الجيش الإنجليزي فخاف القائد عبد الرحيم على القرية لأنه يعلم مدى الدمار الذي يحدثه الإنجليز عندما يبحثون عن الثوار، فنزل إلى مرج صانور الشهير، ولكن رغمًا من ذلك بحث الإنجليز في معظم بيوت القرية وجاؤوا لبيت حسن ونبشوا الأرض في البيت وخارجه وكان حسن يرتجف من خوفه على الثوار.

ومن ثم بدأ القائد عبد الرحيم ومن مسافة 100 إلى 200 متر تقريبًا من مرج صانور أسفل القرية الموجودة على تله، بدأ بلفت أنظار الجيش الإنجليزي ليبتعدوا عن القرية فتوجه إليه الجيش وبدؤوا إطلاق النار عليه من القرية، وهناك في طرف المرج أسفل القرية كان لها شرف قتل القائد عبد الرحيم، فقام حسن الغلبان بدفنه في حاكورة بيته حتى لا يعلم أحد بمكان دفنه، وبعد فترة وجيزة يقال أنها تقريبًا شهر وقيل أنهم عندما أخرجوه من القبر كان ما زال الجسد على حاله ودون تغير، أخذه بعض من رفاقه وأهل قريته ذنابة، وهناك مدرسة باسمه حاليًا في مدينة طولكرم في قرية ذنابة (مسقط رأسه) على وجه الخصوص، ولا زالت بعض أغراضه الشخصية موجودة في القرية، وكان لقتله الأثر الكبير في الثورة والفلسطينيين.

ترك الثائر الشهيد وراءه أربعة أبناء وهم: كمال وجواد وعبد الكريم وجودت، وكان أرملاً منذ عام 1934، ولم يتزوج بعد وفاة زوجته.

كان نبأ استشهاده علامة حزن كبرى في فلسطين.. أضربت البلاد وأغلقت الحوانيت، وتوقفت حركة السير وصدرت الصحف مجللة بالسواد، مما دفع السلطات لإعلان تحذيري في يوم 29 مارس 1939، وتحدى الناس وأعلنت حالة الطوارئ في يافا.

أشادت الصحف الفلسطينية بمناقب الشهيد، وأعلنت مختلف الجاليات والطائفة الأرثوذكسية حدادها، وبدت غزة حزينة، وشاركت الجاليات الأجنبية الألمانية واليونانية وأعلنت حدادها، واهتزت طولكرم للنبأ العظيم وأضربت إضرابًا شاملاً، وظهر الوجوم على محياهم.

ويذكر أن السلطة لقبت الشهيد بالزعيم المعروف، وأن قائدًا في الجيش البريطاني وقف أمام جثمانه الطاهر مع قسم من جنوده وأدوا التحية العسكرية له.

ومما كتب على قبره:
يا زائرًا لأبي كمال في الثرى عبد الرحيم ضحية الأوطان

أدع الإله له بقلب مخلص واقرأ له ما شئت من قرآن

مات عبد الرحيم وبقيت ذكراه راسخة في التاريخ الفلسطيني، كرمز كفاحي مقاوم وشريف، جمع بين الدين والوطنية والقومية وكان درسًا في الأخلاق وعنوانًا للوطنية الصادقة، التي لا تشوبها شوائب.. رحم الله الشهيد وأسكنه فسيح جنانه وإنا لله وإنا إليه راجعون.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.