قبل الثورة كان السؤال عن مستقبل منصب الرئاسة فى مصر أكثر الاسئلة المحرجة التى يوجهها المستثمرون الاجانب لوزراء المجموعة الاقتصادية، وعادة ما كانوا يتلقون ردودا غير مقنعة، من قبيل أن «مصر بلد ديمقراطى ومحكوم بالدستور» ومن ثم لن يواجه أزمة فى مسألة الخلافة السياسية، وهو ما كان يترك المستثمرين أكثر قلقا تجاه بيئة الاستثمار المصرية، خشية حدوث رفض شعبى لمبارك الابن، الذى كان يجرى إعداده لخلافة والده، بما يتسبب فى فوضى عارمة بالبلاد يكون لها أثر كارثى على الاستثمار. وظهر هذا القلق بشكل واضح فى تصريحات بعض الخبراء الأجانب، مثل ريتشارد فوكس، رئيس وحدة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فى مؤسسة فيتش للتصنيف الائتمانى، والذى قال فى تصريح لوكالة رويترز الإخبارية قبل الثورة إن «عملية التوريث تضع سقفا على التصنيف الائتمانى لمصر لأنها تبطئ سياسات التحرير والإصلاح الاقتصادى، التى أشاد بها الأجانب منذ عام 2004».
والمعروف أن التصنيف الائتمانى الدولى ينعكس بشكل مباشر وغير مباشر على الاقتصاد المصرى، فمن ناحية يتسبب تخفيضه فى تشكك الاسواق الدولية فى قدرة مصر على سداد ديونها ومن ثم يرفع تكاليف تلك الديون، ومن جهة أخرى يعطى انطباعا سلبيا عن مخاطر الاستثمار فى البلاد.
وعندما أصبحت الثورة حقيقة أمام العيان، أصدرت موديز أولى تخفيضاتها للتصنيف الائتمانى المصرى فى يوم 31 من يناير، وغيرت رؤيتها للوضع المصرى من مستقر إلى سلبى، وهو التصنيف الذى جاء مدفوعا بالزيادة الكبيرة فى المخاطر السياسية للبلاد، ولم تعتبر المؤسسة الدولية تلك الأحداث مفاجئة، حيث أشارت فى تقريرها إلى أن مصر تعانى من «تحديات سياسية واقتصادية اجتماعية راسخة، منها ارتفاع البطالة ومعدل التضخم وانتشار الفقر».
ولو أن التطورات السياسية فى البلاد مهدت الطريق بشكل سريع للاستجابة لمطالب الثوار السلمية بالتحول الديمقراطى، ربما لم يكن الوضع المالى ليتردى بهذا الشكل، هذا ما يمكن أن نستنتجه من تقرير الوكالة الذى قال إن موديز «مستعدة لتغيير رؤيتها للوضع المصرى من سلبى إلى مستقر اذا هدأت حالة التوتر السياسى والمخاطر المالية والاقتصادية المصاحبة لها»، ولكن ما حدث فى الواقع كان عكس ذلك، اذ بعد يومين من صدور التقرير راح العشرات من معتصمى التحرير ضحايا لمذبحة دامية عرفت باسم «موقعة الجمل».
وبعد أن هدأ نزيف الدم المصرى فى معركة الثورة، أصدرت موديز تقريرها الثانى، ولكنه جاء سلبيا أيضا، فعلى عكس الصورة التى راجت فى وسائل الاعلام عن انتصار الثورة بتنحى مبارك، رأت موديز العديد من السلبيات فى الإدارة السياسية للمرحلة الانتقالية دفعتها لتخفيض التصنيف المصرى مجددا، موضحة أنه «بالرغم من أن المجلس العسكرى أعلن مدى زمنيا للتحول إلى حكومة مدنية، فهناك عدم يقينية بشأن عملية التحول الديمقراطى»، ورصدت موديز العديد من سلبيات البيئة السياسية منها انتشار العنف فى أماكن متفرقة، والذى أطلقت عليه وسائل الاعلام المصرية «الانفلات الأمنى»، مما دفع الوكالة الدولية لاعتبار عملية التعافى الاقتصادى غير مؤكدة بسبب ارتباطها بالتطورات السياسية التى صار من الصعب توقع مستقبلها.
واستمرت الحالة السياسية فى مصر فى تذبذب لعدة أشهر بعد صدور هذا التقرير، بين ضغوط الثوار لاتمام عملية التحول الديمقراطى ومحاسبة رموز النظام السابق، وبين غموض اجراءات تسليم السلطة وأعمال العنف الأمنية ضد المتظاهرين، والتى بلغت ذروتها فى مذبحة ماسبيرو فى يوم التاسع من أكتوبر. وفى نهاية هذا الشهر أصدرت موديز تخفيضها الثالث للتقييم المصرى، معبرة عن شعورها بحالة عدم يقين بشأن الانتقال إلى حُكم مدنى، واعتبرت أن عدم يقينية الوضع السياسى فى مصر ظهرت فى موقف الحكومة المتذبذب فى مسألة استقالتها، بسبب الطريقة التى تعاملت بها القوات الأمنية مع المتظاهرين الاقباط.
وكان استمرار التدهور الاقتصادى ايضا، مع سوء ادارة المرحلة الانتقالية، أحد مخاوف موديز انذاك، ولمرة تالية تقول موديز أن تغيير نظرتها لوضع الاقتصاد المصرى إلى «مستقر»، مرهونة بعملية تحول سلمية وناجحة إلى الحكم المدنى.
وبعد تذبذب موقف الحكومة بين رغبة بعض وزرائها فى الاستقالة، ورغبة آخرين فى البقاء، رحلت حكومة عصام شرف تماما تحت وطأة ما سمى بالثورة الثانية، تلك الثورة التى اندلعت بعد أحداث شارع محمد محمود الدامية، والتى تلتها أحداث مجلس الوزراء، لينتهى العام بمشهد الحكومة المحتمية خلف جدارين حجريين من غضب ميدان التحرير بسلوك أمنى عنيف لم يتغير بعد الثورة. لذا فبالرغم من احتفاء وسائل الإعلام بنجاح الانتخابات البرلمانية، جاءت رؤية موديز فى آخر أشهر العام الماضى سلبية أيضا، مشيرة إلى اعلان أن جدول زمنى للتحول للحكم المدنى واستقرار الحكومة فى منصبها هما الفيصل فى ثقة المستثمر فى البيئة المصرية.