يظل فن الموسيقار الكبير محمد عبدالوهاب أحد الركائز المهمة التى تقوم عليها الحضارة الغنائية المصرية، والعربية، ففضل عبدالوهاب على الموسيقى العربية لا جدال فيه، وفنه اجتاز كل العصور، وتخطى كل الموجات الغنائية التى ظهرت قبله، وبعده، لذلك لم يكن غريبا أن يطلق عليه موسيقار الأجيال، لكن الغريب أن يتم تجاهل مثل هذا الفنان فى الكثير من الأحداث سواء الفنية أو التى تخلد تاريخ الإبداع فى مصر، وربما يكون الكثير من عشاق فن عبدالوهاب لاحظوا هذا الأمر، ولكن يظل الألم يعيش فى قلوب أسرته، ويتجدد كلما ظهر على السطح موقف جديد. هذه المرة جد هذا الشعور جدارية مقامة على مدخل طريق القاهرة العين السخنة الجديد، حيث تم وضع أسماء كثيرة ساهمت فى الإبداع المصرى منها عبدالحليم حافظ، وأم كلثوم، وفريد الأطرش، ونجيب محفوظ، وطه حسين وآخرون، هذا المشهد أعاد ذكريات مؤلمة لابنه الموسيقار الكبير عفت محمد عبدالوهاب، التى قالت ل«الشروق»: إن ترى مجموعة كبيرة من المبدعين ليس من بينهم والدها باعتباره إحدى القمم الغنائية والذى ساهم بقدر كبير فى إثراء الغناء العربى كمطرب، وكملحن أدى أعماله الكثير من العمالقة. كما تقول عفت إنها عندما تسافر إلى لبنان أو المغرب ودول أخرى كثيرت ما تجد الناس تحتفى بها ليس لشىء إلا لأنها ابنة هذا الفنان الكبير، وطالبت عفت المسئولين تدارك هذا الخطأ، وهى لا تعلم من هم المسئولون عن هذا الطريق الذى يربط بين القاهرة، والقادمين من العين السخنة، والغردقة، وشرم الشيخ، وهل هذا الأمر يخص محافظة القاهرة فقط أم هناك جهات أخرى مسئولة عن الطرق.
وربطت عفت محمد عبدالوهاب بين ضرورة تمتع المسئولين بثقافة فى شتى المجالات حتى لا يتم تجاهل أعلامنا، ومن هنا تقول: لا تقصد عبدالوهاب فقط لكنها تقصد كل المبدعين فى شتى المجالات على اعتبار أن مصر دولة تمتلك أسماء كثيرة وكبيرة يجب أن تحترم، وتقدر، لأن التاريخ لا يكذب.
وحول شعورها بهذا التجاهل فى أمور أخرى، قالت السيدة عفت أشعر بهذا التجاهل بعد عامين فقط من رحيل والدى، فهناك مناسبتان كان يتم الاحتفال بهما ميلاده، ورحيله، الآن ومنذ سنوات أجد تجاهلا تاما من كل الجهات المعنية إذاعة وتليفزيون، ولو حتى بأبسط الأشياء على الشاشات، وهذا لا يقلقنى بشكل شخصى، لكن ما يحزننى أن يحدث هذا مع عبدالوهاب، والكل يعلم تاريخه، ولا يحتاج منا كل فترة أن نخرج على الشاشات، وعبر الصحف، ونتحدث عن هذا التجاهل لأن هذا الأمر أعتبره عيبا فى حق وتاريخ فنان بحجم عبدالوهاب.
وحزنى هو أن يحدث هذا فى وطنه فى الوقت الذى تحتفل به دول عربية كثيرة تعى وتقدر قيمة فنه إلى هنا انتهى كلام السيدة عفت محمد عبدالوهاب.
ويبقى سؤال، وهو إلى متى نعيش حالة التجاهل لرموزنا الفنية.. فحالة التجاهل السبب الرئيسى فيها أننا عشنا 30 عاما تحت مظلة نظام يرى أن الفن والغناء تحديدا شىء للتسلية، والترفيه، وليس إبداعا حقيقيا.
فمصر التى احتلت واجتاحت الوطن العربى بأصوات مطربيها أم كلثوم، وعبدالوهاب، وحليم كان من الصعب عليها أن تعيش فى هذه العتمة المقصودة حتى تحولت قبلة الغناء إلى دول أخرى فى الخليج العربى، والذى أصبح يجيد فن الاحتفال بكل رموز الغناء، ويقيم مناسبات دورية منتظمة للاحتفال بميلادهم، ورحيلهم، ويستقبل أهم الأصوات التى تستطيع أن تغنى، وتترجم هذا الإبداع، وتحوله إلى واقع.
تجاهل رمز مثل موسيقار الأجيال هو امتداد لمسلسل طويل من التنكيل بالرموز، وأصبح دور النقابات الفنية مهم فى هذه الفترة لكى نعيد هذه الأسماء الكبيرة، وإبداعها إلى بؤرة الاهتمام، ودائرة الضوء من جديد، باعتبارهم منارات أضاءت الطريق إلى الأجيال الجديدة.