أصدرت مؤسسة الأزهر الشريف وثيقة للحريات شارك فيها مجموعة من علماء الأزهر والمثقّفين المصريّين الذين ساهموا في وثيقة الأزهر الأولى، للحد من انتشار بعض الدعوات المغرضة، التي تتذرع بحجة الدعوة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للتدخل في الحريات العامة والخاصة، الأمر الذي لا يتناسب مع التطور الحضاري والاجتماعي لمصر الحديثة.
وأكد الأستاذ الدكتور أحمد الطيب- شيخ الأزهر الشريف، أن الوثيقة التي أصدرها الأزهر تمنع انتشار بعض الدعوات المغرضة، التي تتذرع بحجة الدعوة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للتدخل في الحريات العامة والخاصة، في الوقت الذي تحتاج فيه البلاد إلى وحدة الكلمة والفهم الوسطي الصحيح للدين، الذي هو رسالة الأزهر الدينية ومسئوليته نحو المجتمع والوطن.
وكان شيخ الأزهر قد أعن في مؤتمر صحفي أمس الثلاثاء، عن وثيقة الأزهر الثقافية للحريات وحقوق الإنسان، بعد جلسات ومناقشات استمرت مع المثقفين لأكثر من شهرين، للخروج بتلك الوثيقة كي تكون مبادئ عامة استرشادية للمجتمع المصري والمجتمعات العربية في قضية الحريات، وعلى رأسها حرية العقيدة والتعبير عن الرأي.
وقال الدكتور محمود عزب- مستشار شيخ الأزهر، في مداخلة هاتفية مع الإعلامي شريف عامر في برنامج "الحياة اليوم" على تلفزيون الحياة، إن وثيقة الحريات نصت على أن "حريّةُ العقيدة وما يرتبط بها من حقِّ المواطنة الكاملة للجميع، القائم على المساواة التامة في الحقوق والواجبات حجر الزّاوية في البناء المجتمعي الحديث، وهي مكفولةٌ بثوابت النصوص الدِّينية القطعيّة وصريح الأصول الدستورية".
وأشار إلى أنه بناء على ما ورد في الوثيقة فإنه "يجرم أي مظهر للإكراه في الدين، أو الاضطهاد أو التمييز بسَبَبِه، فلكلِّ فردٍ في المجتمع أن يعتنق من الأفكار ما يشاء، دون أن يمس حقّ المجتمع في الحفاظ على العقائد السماوية، فللأديان الإلهية الثلاثة قداستها، وللأفراد حريّة إقامة شعائرها دون عدوان على مشاعر بعضهم أو مساس بحرمتها قولاً أو فعلاً، ودون إخلال بالنظام العام".
وكان الدكتور أحمد الطيب قد أكد أن الوثيقة تناولت أربع مجالات للحرية وهي "حرية العقيدة وحرية الرأي وحرية البحث العلمي وحرية الإبداع الأدبي والفني"، مضيفًا أنه يترتب على احترام حرية الاعتقاد، رفض نزعات الإقصاء والتكفير، ورفض التوجهات التي تدين عقائد الآخرين ومحاولات التفتيش في ضمائر المؤمنين بهذه العقائد.
كما أوضحت الوثيقة أنه يترتّب على حق حرية الاعتقاد "التسليم بمشروعية التعدد ورعاية حق الاختلاف ووجوب مراعاة كل مواطن مشاعر الآخرين، والمساواة بينهم على أساسٍ متينٍ من المواطنة والشراكة وتكافؤ الفرص في جميع الحقوق والواجبات". منبهة إلى أن حرية التعبير تعد أهم مظاهر الحريات الاجتماعية التي تتجاوز الأفراد لتشمل غيرهم، مثل تكوين الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، كما تشمل حرية الصحافة والإعلام المسموع والمرئي والرقمي، وحرية الحصول على المعلومات اللازمة لإبداء الرأي، ولابد أن تكون مكفولة بالنصوص الدستورية لتسمو على القوانين العادية القابلة للتغيير. سوى مقارعة الحجة بالحجة طبقًا لآداب الحوار، وما استقرت عليه الأعراف الحضارية في المجتمعات الراقية".
وتناولت الوثيقة أيضًا حرية البحث العلمي، وأكدت أن البحث العلميّ الجادّ في العلوم الإنسانية والطبيعية والرياضية وغيرها يعد قاطرة التقدم البشري، ولا يمكن لهذا البحث أن يتم ويؤتي ثماره النظرية والتطبيقية دون تكريس طاقة الأمّة له وحشد إمكاناتها من أجله، مشيرة إلى أنه إذا كان التفكير في عمومه فريضة إسلامية في مختلف المعارف والفنون كما يقول المجتهدون، فإن البحث العلمي النظري والتجريبي هو أداة هذا الفكر، وأهم شروطه أن تمتلك المؤسسات البحثية والعلماء المتخصصون حرية أكاديمية تامة في إجراء التجارب وفرض الفروض والاحتمالات، ولا يوجههم في ذلك إلا أخلاقيات العلم ومناهجه وثوابته.
وأوضحت وثيقة الأزهر أن الآداب والفنون في جملتها تستهدف تنمية الوعي بالواقع، وتنشيط الخيال، وترقية الإحساس الجمالي وتثقيف الحواس الإنسانية وتوسيع مداركها وتعميق خبرة الإنسان بالحياة والمجتمع، كما تقوم بنقد المجتمع أحيانًا والاستشراف لما هو أرقى وأفضل منه، وكلها وظائف سامية تؤدي في حقيقة الأمر إلى إثراء اللغة والثقافة وتنشيط الخيال وتنمية الفكر، مع مراعاة القيم الدينية العليا والفضائل والأخلاق.