سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
(الشروق) تحقق فى أحوال (مربع وسط القاهرة المعزول) سكان: الأسوار لا تمنع عنا رائحة الموت وأصوات الرصاص .. وريهام: نعيش حالة من الرعب الدائم يشوبه هدوء حذر بين الحين والآخر
إحنا بقينا عايشين فى إسرائيل.. ليه مقفلين كل الطرق فى وشنا كده.. إحنا لا معانا سلاح ولا طوب، خايفين مننا ليه».. بهذه العبارات التى تعبر عن حالة من الضجر تحاول إيمان يحيى، وهى سيدة فى الخمسينات الوصول إلى مدرسة الحيواتى بشارع الشيخ ريحان، بعد أن حاولت الحديث مع عدد من جنود الشرطة العسكرية للمرور عبر الأسوار الخرسانية أو الأسلاك الشائكة التى أغلقت معظم الشوارع المؤدية إلى محيط مجلس الشعب ومجلس الوزراء ووزارة الداخلية، لكن دون جدوى، حتى تسلم إيمان بالواقع مضطرة إلى قطع مسافة تصل إلى نصف ساعة يوميا للوصول إلى مقر عملها مشيا من شارع قصر العينى إلى الشيخ ريحان. حالة إيمان يحيى تكررت مع سكان منطقة وسط القاهرة المتخمة لمجلس الوزراء، التى شهدت اشتباكات طاحنة بين الأمن ومتظاهرين الأسبوع الماضى.. لم يكن ليتخيل سكان هذه المنطقة أن يصحوا فى يوم ما ليجدوا أنفسهم وبيوتهم محاصرين بأسوار خرسانية، وحجارة ثقيلة عزلت منطقتهم الأكثر حيوية بوسط القاهرة، حيث شوارع الشيخ ريحان ومحمد محمود وقصر العينى وشارع منصور، والتى لجأت إليها قوات الأمن فى محاولة للفصل بين المتظاهرين وقوات الأمن، لكنها خلفت بعد هدوء الأحداث حالة من العزل لسكان المنطقة التى باتت تعانى من صعوبة فى الدخول والخروج منها.
بمجرد اقترابك من مدخل شارع قصر العينى من جهة ميدان التحرير حتى تندفع صوبك نداءات عديدة من المارة.. لإرشادك إلى المكان الذى تريد التوجه إليه فى هذه المنطقة التى باتت أمنية بامتياز.. تشبه إلى حد كبير المربعات الأمنية التى أنشأتها قوات الاحتلال الأمريكى للعراق فى وسط بغداد.
26 شارع الشيخ ريحان.. قدر هذا العقار أن يكون أول عقار بهذا الشارع مطلا على وزارة الداخلية، والشاهد الرئيسى على أحداث العنف التى تشترك فيها وزارة الداخلية، ليعيش فيه نحو 15 أسرة.
ريهام حسين، طالبة بجامعة عين شمس، وإحدى ساكنات هذا العقار، تصف الحياة فى منزلها الكائن فى هذه المنطقة الخطيرة بالقول «حالة من الرعب الدائم يشوبه هدوء حذر بين الحين والآخر».
تقول ريهام إن الأهالى «رحبوا بوجود هذه الأسوار الخرسانية فى بداية الأمر، بعد أن شعروا بالاطمئنان لحمايتهم بشكل مؤقت من محاولات اختراق المنطقة وإثارة الشغب، لكن استمرار الوضع وعدم إزالة هذه الأسوار بعد هدوء الأحداث صار المشكلة الأكبر أمام أهل المنطقة، لتوقف حركة الموصلات التى تمر بمنقطة قصر العينى وشارع الشيخ ريحان ومنصور وشارع مجلس الأمة ومحمد محمود، وعدم إمكانية دخول سيارات أهالى المنطقة».
صعوبة اختراق سكان المنطقة العازلة والخروج منها بوسط القاهرة أسهل من عدم الخروج بشكل نهائى من منازلهم، خوفا من أحداث العنف، فتؤكد ريهام أن «الوضع الحالى أفضل من عدم الخروج نهائيا من البيت، نحن نرحب بهذه الإجراءات الأمنية ولكن ليس بشكل دائم».
الحاجة كريمة محمد، تسكن فى نفس العقار وتؤكد أن الأسوار الخرسانية أغلقت مدخل البيت من جانب شارع الشيخ ريحان وقصر العينى، لكن لا يزال أمامنا مخرج آخر من ناحية ميدان لاظوغلى وشارع نوبار، ويمكننا تلبية احتياجتنا وطلباتنا من هذه المنطقة دون محاولة الذهاب إلى المنطقة المثار بها المشاكل، حتى تستقر الأمور.
سالم حسنين، حارس عقار بشارع مجلس الأمة، يقول الأهالى يرحبون بالأسوار التى بناها الجيش بعد أن كانوا يعانون من دخول مجموعات كبيرة من «البلطجية» فى محاولة منهم لاقتحام المنطقة وسرقتها أثناء الاشتباكات مع قوات الأمن على حد قوله، مطالبا بحماية المنطقة من الناحية الأخرى (السيدة زينب) بعد أن فوجئ الأهالى أثناء أحداث وزارة الداخلية بمحاولات متكررة من بلطجية أتوا من منطقة السيدة زينب لمحاولة اقتحام الوزارة من ناحية ميدان لاظوغلى.
يؤكد أن حسنين أن أهالى المنطقة يمكن أن يدبروا أمورهم ويتعايشون مع هذه الأسوار العازلة، لكن لا يمكن أن يستمر الحال، فهناك العديد من المحال المتضررة وعيادات الأطباء التى تمتلئ بها المنطقة، وتشكل هذه الأسوار صعوبة فى دخول وخروج المرضى دون دخول السيارات، والمدارس التى فتحت أبوابها، لكن دون حضور للطلاب.
ثمانية أيام مرت على أحداث العنف بشارع قصر العينى، خلفوا وراءهم حالة من الهدوء والسكون فلا وجود بشريا بهذا الشارع الأكثر حيويا فى وسط العاصمة إلا لعدد محدود من جنود الأمن الموجودين فى دوريات أمنية لحراسة المنطقة، وبعض أفراد شركة مقاولات تعمل فى ترميم ما تبقى من المجمع العلمى المصرى، وتزيل أثار الدمار التى خلفتها الاشتباكات.
مطعم «الخديوى»، هو أول المحال التجارية التى فتحت أبوابها أمس لأول مرة عقب الأحداث، «الشروق» التقت حسنى الفقى، صاحب المطعم الذى وقف يحاول إزالة آثار الدمار التى لحقت بمطعمه، ويتفاوض مع قوات الجيش لدخول سيارة محملة بالأغذية لتشغيل المطعم مرة أخرى.
يقول الفقى، إن تشغيل المطعم لا جدوى منه الآن فى غياب الزبائن بسبب هذه الأسوار الخراسانية التى أغلقت المنطقة، وتوقف معظم المصالح الحكومية التى كان العاملون بها هم الزبائن الأساسيين للمحل، لافتا إلى أن معظم المارة اتجهوا إلى الشوارع الخلفية بدلا من السير فى شارع قصر العينى.
«الحركة بدأت تدب هنا.. لكن لا نتوقع أن يعود الهدوء مرة أخرى حتى لو أغلقوا جميع شوارع القاهرة بأسوارهم الحديدية» يقول حسين توفيق، أحد سكان العقار 11 بشارع قصر العينى، والذى أبدى استياءه من سوء تعامل الأمن مع أحداث العنف، مؤكدا عدم جدوى هذه الأسوار الخراسانية سواء لحماية منشآتهم الحيوية أو حماية سكان المنطقة، مطالبا المجلس العسكرى بتغيير حقيقى فى التعامل مع الأزمات بسياسات واضحة دون اللجوء إلى الحجارة الثقيلة والتى وصفها بالحلول «الاستعمارية».
ورغم مرور نحو شهر على أحداث شارع محمد محمود التى لجأت فيها قوات الجيش إلى حل «الحوائط الخراسانية» للعزل والفصل، فإن قوات الجيش لم تزل هذه الحواجز رغم هدوء الأحداث، وهو ما تسبب فى حالة من الضجر بين أهالى شارع محمد محمود، وبشكل خاص أصحاب المحال التجارية والمطاعم الكائنة بهذا الشارع الحيوى المطل على الجامعة الأمريكية، لتسود حالة من الهدوء التام داخل الشارع الذى اعتلاه لافته مكتوبة باللون الأحمر «شارع مذبحة المشير محمد محمود سابقا».
تعلق أستاذه العلوم السياسية، د. رباب المهدى، على هذه الأسوار التى عزلت المنطقة الأكثر حيوية بوسط القاهرة، بأنها «طريقة أمنية لم يشهدها العالم إلا فى ألمانيا عندما بنى سور برلين، وفى إسرائيل التى تبنى الجدار العازل للفصل بين الفلسطينيين وتأمين نفسها»، مؤكدة أن سياسات المجلس العسكرى لم تختلف فى التعامل مع الأحداث منذ أحداث السفارة الإسرائيلية حتى محمد محمود ومجلس الوزراء.