لا أملك معلومات كافية عما جرى فى استاد القاهرة مساء أمس الأول، فالروايات متضاربة ومتباينة بعضها يدافع عن الألتراس، وبعضها يدين، وبعضها يصور الشرطة وكأنها ضحية وبعضها يلتمس لها عذرا بعد استفزاز كبير تعرضت له. لكننى أملك الآن سؤالا مشروعا لا علاقة له بمن الجانى ومن الضحية فى موقعة الاستاد، فالمؤكد أن هناك مواجهة انتهت بتنكيل الشرطة بعدد هائل من مشجعى كرة القدم، ربما كانت الشرطة على حق وربما كانت معتدية، لكن السؤال الذى لا يحتاج لنظرية مؤامرة ليقفز، لماذا لا تبدو الشرطة بهذه الكفاءة والحمية والقسوة والإقدام على المواجهة، إلا عندما يتعلق الأمر بأحداث ذات أبعاد سياسية؟ أنت مثلى تشاهد مظاهر الانفلات فى الشارع، ولديك تأكيدات أن الشرطة تقف على الحياد فى مشاهد صارخة وكأنها تخشى التدخل على الأقل لمواجهة سائق ميكروباص يقف فى الممنوع أو آخر يسير عكس الاتجاه، أنا شخصيا أعانى منذ أشهر من «اختناق مرورى» صباحا فى شارع السودان عند جامعة القاهرة، ومساء فى شارع التحرير عند محطة مترو البحوث، لأن «تنظيم الميكروباص» فى التوقيتين، يتعامل مع الشارع باعتباره «موقفا رسميا» أو ميدانا خاصا» فتجد السيارات مصطفة بشكل يغلق الطريق بينما ضباط الشرطة فى قلب المنطقة عاجزون عن تسيير حركة المرور، أو التعامل مع هؤلاء بجزء يسير من القسوة التى تعاملت بها الشرطة مع الجماهير فى الاستاد، أو مع أهالى الشهداء فى أكاديمية الشرطة. شخصيا أتمنى أن تكون معركة الاستاد لها ما يبررها ويشرعنها من ناحية الشرطة ليجعلها بريئة وتؤدى دورها، لكننى أتمنى فى الوقت نفسه أن تمتلك الشرطة ذات الكفاءة والحمية والشجاعة وهى تواجه البلطجة والانفلات الأمنى فى الشارع، وأن يكون لديها ذات الاستعداد للتصدى لخرق القانون، وان يستفزها ذلك، كما استفزتها شعارات الألتراس وربما ممارساته. ليس من اللائق أن تعود الشرطة وتستعرض عضلاتها سياسيا فقط، ثم تترك الفوضى تضرب الشوارع دون تنظيم أو تصدى حاسم وكأنها مستمرة فى عقاب الناس على مساندة الثورة وتسعى إلى أن يكفر الناس بها وبنتائجها التى خلفت فوضى وبلطجة وتسيب فى قلب شوارع القاهرة الرئيسية فما بالك بالطرق السريعة خارج العاصمة. إذا كان هناك فى جهاز الشرطة من يستبد به الحنين إلى زمن العادلى، أو لديه قدر من «الحزن الإنسانى المشروع بحكم العِشرة» على نهاية الرجل وكبار مساعديه، فلا يجب أن يكون ذلك أبدا على حساب القانون، الذى يحاكم أمامه العادلى، ومطلوب من كل شرطى أن يحترمه فى الشارع فلا يتجاوز فى حق مواطن، لكن يتعامل بالشدة اللازمة مع كل خرق للقانون فى ذات الوقت، لأن فى ذلك بر للوطن، فإذا كانت «عِشرة العادلى لم تهن عليكم» فعِشرة الوطن أبقى وأبر، وأنا وأنت وكل مصرى نستحق أن يغضب الضباط من أجلنا، وأن يعلنوا الحرب على الانفلات بذات الشجاعة والإقدام والرغبة المحمومة فى الإنجاز، التى فعلوها فى الاستاد..!