مجددا، تبدو حياتنا السياسية مقبلة على محطة فارقة فى مسار التحول الديمقراطى والشقاق بين المجلس الأعلى للقوات المسلحة والقوى الوطنية هو سيد الموقف. فلم يعد بيننا وبين موعد الانتخابات البرلمانية إلا بضعة أسابيع وقانون الانتخابات محل رفض من الأحزاب والقوى الوطنية. أسباب الرفض تتعلق بجمع القانون بين سلبيات نظامى الانتخاب بالقائمة والفردى فى تركيبة معقدة ستجعل الناخبة المصرية تذهب لمركز الاقتراع وعليها التعامل مع أربعة صناديق انتخابية، قائمة وفردى لمجلس الشعب وقائمة وفردى لمجلس الشورى. سلبيات نظامى الانتخاب بالقائمة والفردى هذه ستعنى أيضا وفقا للقانون أن المرشح الأول على كل قائمة حزبية سيكون من العمال أو الفلاحين وهو ما يميز ضد مرشحى الفئات وقد يأتى ببرلمان حضور ممثلى الفئات به ضعيف للغاية. سلبيات النظامين ترتبط كذلك بغياب ضوابط قانونية واضحة تحول دون الاستغلال السيئ للمال وللعصبيات العائلية والقبلية وللدين للتأثير على نتائج الانتخابات وتفريغها من المضمون الديمقراطى. ثم أضيف لسلبيات قانون الانتخابات ما تسرب للإعلام عن تقسيم الدوائر الانتخابية لمجلسى الشعب والشورى والتى ستتسع فى الكثير من الحالات على نحو لن يسمح إلا للمرشحين ذوى المال الوفير بالنجاح وستضم فى حالات أخرى مناطق وأحياء لبعضها البعض دون تبرير واضح ومقنع (الدقى والعجوزة مع إمبابة ومصر الجديدة مع الوايلى وغيرها). سلبيات قانون الانتخابات والتقسيم المنظر للدوائر تدفع الأحزاب والقوى الوطنية اليوم إلى المطالبة بتغيير القانون وإن استمر رفض التغيير إلى التفكير بجدية فى مقاطعة الانتخابات. فنحن لا نريد أن نشارك فى لعبة ظاهرها الديمقراطية والتعددية وجوهرها غير ذلك، لا نريد المشاركة فى انتخابات تعيد فلول الحزب الوطنى المنحل من أصحاب المال الوفير وممثلى العصبيات الذين قدموا لمصر أسوأ برلماناتها خلال العقود الماضية. أدعو المجلس الأعلى للقوات المسلحة ومجلس الوزراء لإعادة النظر فى قانون الانتخابات وتقسيم الدوائر والانفتاح على مطالب الأحزاب والقوى الوطنية بتغييرهما. فاحتمال مقاطعة الانتخابات يمثل خطرا عظيما يهدد مسار التحول الديمقراطى، شأنه شأن الذهاب إلى الانتخابات فى حالة من الشقاق والصراع وغياب التوافق الوطنى كما حدث وقت استفتاء التعديلات الدستورية. مصر فى أمس الحاجة إلى توافق وطنى حقيقى قبل الانتخابات حول قانونها وشروط وضوابط إدارتها. مصر لن تحتمل مقاطعة الكثير من الأحزاب للانتخابات، ولن تحتمل التفافا على مسار الديمقراطية بإعادة الحزب الوطنى إلى البرلمان. المشاركة أفضل بكل تأكيد، وكذلك قوائم جماعية للأحزاب والقوى الوطنية تأتى ببرلمانيين حقيقيين قادرين على النهوض بأعباء المرحلة الراهنة. أدعو المجلسين إلى تغيير قانون الانتخابات وإعادة النظر فى تقسيم الدوائر. ملاحظة: بعض المعلقين على موقع الشروق وعلى شبكات التواصل الاجتماعى على عمود «أنسنة مصر» فهم إشارتى إلى ضرورة رفض أن تقطع أيادى مواطنين وأجزاء أخرى من أجسادهم من قبل مواطنين آخرين ورفض أن يتحول مجتمعنا إلى مجتمع يحكمه قانون الغاب دون عدالة أو محاكم أو قضاة باعتباره رفضا لشرع الله. لهؤلاء أقول إن شرع الله لا علاقة له بقانون الغاب وأن المقصود بإشارتى هو أولوية حماية سيادة القانون وضمانات حقوق المواطنين ومنع تحول ممارسة العنف إلى ظاهرة مجتمعية عامة. لهم أقول كفاكم تحريفا لكلام من ترونهم على اختلاف معكم فى الرؤى والأفكار، وكفاكم توزيعا لاتهامات باطلة كى تكتسب نقاشاتنا مضمونا يرقى لعظم تحديات اللحظة الراهنة.