طريقة صنع القرار العسكرى بطبيعتها رأسية، وتكون أفقية بقرار رأسى. بمعنى أن الأصل أن هناك تراتبية واضحة بين قمة هرم السلطة ومن هو أدنى منها إلا إذا قرر من هو أعلى أن يترك الأمر شورى، لكن لحظة اتخاذ القرار بطبيعتها تكون رأسية: على الأعلى أن يقرر بعد أن يستمع للجميع، وعلى الجميع أن ينفذ بعد أن صدر القرار من الأعلى. طريقة صنع القرار فى الحكومة الحالية أفقية، وكأن رئيس الوزراء هو «الأول بين متساويين» كما هو الحال مع رئيس الوزراء فى النظم البرلمانية. ولأسباب تتعلق بطريقة تشكيل هذه الحكومة وبأشخاص الوزراء وبشخصية رئيس الوزراء، فإن عملية صنع القرار وكأنها حكومة ائتلافية تقوم على التوازن والمواءمة بما يفضى إلى الكثير من الأخذ والرد وفى بعض الأحيان التردد. والمشكلة ليست فى الطريقة الأولى أو الطريقة الثانية فى اتخاذ القرار، وإنما فى أن معظم قضايا هذه المرحلة هى فى المنطقة الرمادية الواسعة بين المجلسين: الأعلى والوزراء. لهذا يلاحظ المراقبون وحتى أحاد الناس أن هناك فجوة ما بين المجلسين بما قد يترتب عليها أحيانا اضطراب فى عملية صنع القرار، وتأخر فى بعض القرارات. ولنتأمل قول البعض إن الليبيين نجحوا فى تغيير القذافى، ونحن لم نزل لدينا أشخاص فى مناصبهم لم ننجح فى تغييرهم بعد. ومعلوماتى أنه لا توجد حصانة لأحد، ولكن عملية اتخاذ القرار بطيئة للفجوة بين طريقتى اتخاذ القرار من ناحية والفجوة بين توقعات المواطنين والقدرة الحقيقية على الفعل من ناحية أخرى. هذا كان التحليل، إذن ما الحل؟. لا ينبغى أن يترك المجلس الأعلى لمجلس الوزراء أن يتحرك منفردا فى بعض المجالات الحيوية ولا أن تظل الكرة فى ملعب المجلس الأعلى منفردا. وعندى مثال واضح ومباشر وهو صندوق أسر شهداء ومصابى ثورة 25 يناير الذى ظل مضطربا فى أدائه لفترة، ثم حدثت انفراجة هائلة وتحسن واضح فى أداء الصندوق بعد أن أصبح رئيسه رئيس الوزراء، ونائب الرئيس اللواء محسن الفنجرى. هناك قضايا لا تقل أهمية عن هذه القضية. وأخص بالذكر قضيتين. الأولى قضية الأمن: اقترح مجلسا أعلى للأمن يرأسه شخصية عسكرية ويكون نائبه وزير الداخلية أو العكس. التردى فى شعور المواطنين بالأمن أصبح هائلا، والحل قرارات استثنائية جراحية شديدة الانضباط ولكنها شديدة الفعالية. لا نريد تكرار إعدام البقرى وخميس مع بدايات ثورة يوليو (فكل الاحترام لكل عمال مصر الشرفاء ولمطالبهم الإنسانية المفهومة)، ولكن نريد شيئا كهذا مع البلطجية السوابق الهاربين من السجن. قرأت فى «الشروق» أن الأجهزة الأمنية بمديرية أمن القاهرة نجحت فى ضبط أكبر وأخطر بلطجى بالعاصمة يوم الثلاثاء الماضى، حيث تم إلقاء القبض على هذا الهارب من السجن المُروِّع للآمنين، بعزبة أبوقرن بمصر القديمة وسط فرحة عارمة من أهالى العزبة. ما مصير هذا الشخص؟ لو كان لى من اقتراح فلتكن عقوبة استثنائية علنية رادعة لن تستطيعها الداخلية منفردة لأنها محكومة بالقانون، ولن يستطيعها المجلس الأعلى منفردا لأن مدافعه الثقيلة قد تدمر من حيث تريد أن تبنى. ولكن مجلسا أعلى للأمن يمكن أن يجمع بين صلاحيات الوزارة مع صلاحيات مجلس الشعب (الذى هو المجلس الأعلى)، وصلاحيات الرئيس الجمهورية (الذى هو المجلس الأعلى أيضا). أمن مصر الداخلى فى خطر، ويعرض أهل مصر واقتصاد مصر إلى خطر أعظم. ثانيا، القضية الاقتصادية، أعتقد أن الاجتماع الأخير للمجلس الأعلى مع عدد من شرفاء رجال الأعمال، وهناك شرفاء آخرون كثيرون لم يحضروا حتى لا يظن أحد أن من لم يحضر ليس «شريفا» من وجهة من نسق للاجتماع، يوضح كم المشاكل التى يواجهها الاقتصاد المصرى. وهذه المشاكل لا يمكن أن يحلها وزير وحده أو المجلس الأعلى منفردا. ومن هنا اقترح تشكيل «مجلس أعلى للاقتصاد» برئاسة نائب رئيس الوزراء للشئون الاقتصادية ويكون نائبه أحد قيادات المجلس الأعلى ويكون فى عضويته عدد من رجال الأعمال وممثلى العمال للبت واتخاذ قرارات لها قوة القانون بشأن مئات القضايا المعلقة. لقد أساء التصرف بعض الوزراء السابقين والمسئولين الحاليين بدافع من هوس الخوف من التعرض إلى محاكمات مثلما حدث مع مسئولين سابقين. وهكذا حول هؤلاء كل قضية أو مشروع أو فكرة تأتى إليهم إلى ملف فى الدرج، بمنطق «لا تسأل، ولن أجيب» والخاسر مصر واقتصاد مصر. إذا هرب المستثمرون، فبعض هروبهم يرجع إلى ترهل أداء بعض المسئولين، وضعف التنسيق بين المجلسين. مجلسان أعلى للأمن وللاقتصاد، قد يملكان مجتمعين القدرة على الدراسة والتشريع والتنفيذ، بما لن يستطيعه مجلس الوزراء بطريقته الأفقية فى اتخاذ القرار، ولا المجلس الأعلى بطريقته الرأسية فى اتخاذ القرار. ولنا فى «صندوق أسر الشهداء والمصابين» مثال جيد يمكن الاحتذاء به. دمتم ودامت مصر بخير.