آمنت العقول والقلوب بما أعلنه القرآن من أن الحديبية هى الفتح المبين بما حدث فيها وما حدث بعدها أو استمر طوال عامى 6، 7 هجريا وها هى القيادة العليا لقريش تنجو بنفسها وتختار الطريق الحق فمن الوظائف العليا فى أى امة ثلاث وظائف هى السياسة والحرب والإدارة وبعد الحديبية كان جيل الآباء قد هلك بالأجل أو بالحرب مع المسلمين..كما أن واقع الجزيرة العربية قد تغير وتبدل وأصبح الواقع يفرض تفكيرا جديدا وتخطيطا أبعد مدى.. لابد لأى قيادة أن تراجع المستجدات فالهزائم تتوالى عليهم فى الوقت الذى يعلو فيه شأن الإسلام وأهله الذين هم إخوتهم الذين سبقوا للإسلام ألا يدعو ذلك للتفكير..؟ القلة تنتصر ثم تزداد ثم تقوى ثم يمتد نفوذها إلى آفاق بعيدة أما قريش وعنادها وكثرتها وعدتها فقد آل أمرها إلى ضعف وخلخلة ووصلت أشعة نور الإسلام إلى كل بيت فما يقدر كاذب على إنكاره، وما يستطيع عاقل أن يتجاهله فماذا تفعل القيادات؟ وكيف يفكر أولو الرأى والخبرة؟ هذا خالد بن الوليد القائد القرشى الماهر وصاحب اليد الطولى لقريش يوم أحد ويوم الخندق ويوم الحديبية يحدثنا فيقول: لم أمكث فى مكة يوم حضور المسلمين للعمرة فقد كرهت أن أراهم، وما إن رحلوا حتى أخذتنى الأفكار أهؤلاء قد دخلوا مكة رغما عنى؟! أظنهم على الحق فقد علا شأنهم وهبط شأن قريش وشأنى. لقد اختار أخى الوليد بن الوليد الإسلام فعلا وأصبح واحدا من المسلمين فأين أنا من ذلك؟ ماذا فى جزيرة العرب غير يهودية طالما اعرضنا عنها ولم نقنع بها، وغير مسيحية لم يرحب بها غير قلة يمنية، لكن هذا الإسلام الذى جاء بلغتنا وفى قومنا وانتشر فى كل بيوتنا هل يجاذف العقل فيترك معسكر النصر والشرف.. ويلتحق بمعسكرات تهاوت وانكشفت أمام محمد والمسلمين! إلى أين يذهب العاقل! ثم تأتيه رسالة أخيه الوليد بن الوليد الذى سبق خالد إلى الإسلام فقال له: أين أنت يا خالد من هذا الشرف الذى سبقك إليه البعض، إن محمدا قد ذكرك وسأل عنك وهو يقدر عقلك ورجاحته ويأمل فى إسلامك، كما أن المانع الأكبر قد زال بموت الوليد بن المغيرة والد خالد فقد كان من شرور الجاهلية وشرور كل زمن أن يعطل الناس عقولهم تقليدا للآباء دون تفكير.. فها هو عقله يقول له لا مكان لخالد إلا فى معسكر النصر، ومع فريق الخير.. ويحاول أن يفاتح أصدقاءه فيرفضون، فيقرر هو ضرورة إعلان الإسلام وسرعته.. ويوم أن قرر خالد هذا القرار لم يكن لقريش من فارس يقود جنودها غيره.. فإسلام خالد هو ترنح قوة الشرك وزلزلتها وما إن يهم بالخروج تلقاء المدينة ليعلن إسلامه حتى يوافقه زعيم آخر من زعماء قريش.. زعيم السلطان الإدارى القرشى، وأمين المقدسات القرشية حامل مفاتيح الكعبة «عثمان بن طلحة» يصارح خالدا بأنه لا نجاة ولا راحة ولا أمن ولا شرف إلا مع محمد وصحبه فهم الأهل والرحماء والمخلصون للكعبة وربها ويصحب أحدهما الآخر للسفر. ها هى مؤسسات قريش تتفكك وتتخذ وجهة أخرى دون ضغط ولا رشوة وعند بداية الطريق تتوالى المفاجآت، إذ يرى الاثنان شبحا يسبقهما على الطريق... من السائر؟: إننى عمرو بن العاص. وإلى أين؟ أظننى إلى حيث تقصدان. قالوا نقصد مبايعة محمد، فيقول عمرو: وهل تفلح قريش بغير محمد ودينه. فإذا أدركنا أن عمرو بن العاص بن وائل السهمى فاتح مصر من بعد وأول رئيس مسلم لجمهوريتنا... كان فى ذلك الوقت وقت إسلامه على رأس سفراء قريش ومحكميها فى الأزمات فنتساءل...هل دالت معالم دولة قريش وتخلخل كيانها؟ العسكريون فى شخص خالد والإداريون فى شخص عثمان بن طلحة، والساسة فى شخص عمروبن العاص كلهم يفرّون من الجاهلية إلى الإسلام بإرادة واعية لا تعرف الخوف.. ولا ترجو إلا الخير والمصلحة ولا يعيب أحد أن يرجو المصلحة... وشرط المصلحة دائما: أن تصلحك ولا تفسد أحدا، وأن تنفعك ولا تضر أحدا، فالمصلحة هى الصلح (الرضا) والصلاح (الخير) والإصلاح (التصحيح والفوز) والاصطلاح وهو (الضبط العلمى) هذا هو مذهب المصلحة وليس المنفعة الخاصة كما يفكر البعض.