كم هو مؤسف ومحزن بُعدنا عن لغتنا العربية الجميلة، ليس فقط باستخدامنا ألفاظ عامية ركيكة، بل للأسف ميلنا للتشدق بعبارات ومصطلحات وتعبيرات بلغات أجنبية بلا داعي أو مبرر. لغتنا العربية لغة جزلة ثرية وراقية أشمل وأعم من سائر اللغات وهي لغة البلاغة وكذلك الإيجاز ويكفي أنها لغة القرآن الكريم المعجزة السماوية من رب العباد. كنت و منذ صغري أجد متعة بالغة في الإشتراك بمسابقات القرآن الكريم والشعر وكنت أتخيل إن ما أناله من متعة قراءة القرآن هو فقط تلك الراحة النفسية لأنه كلام الله عز وجل. ولكني لاحظت إن القراءة بصوت مرتفع تمنحني متعة مضاعفة فمخارج الألفاظ وسلاسة الكلمات وعذوبتها تضفي رونق وجمال ومتعة لا يضاهيها شئ حتى تشعر إنك لا تريد التوقف عن القراءة. أتعجب عند مخالطتي للأصدقاء والأقارب والمعارف إن الكثيرين يميلون ومهما كان تعليمهم لإستخدام مصطلحات من لغات أخرى في حياتنا اليومية، بل الأدهى إن هناك بعض العائلات يخاطبوا أطفالهم باللغة الإنجليزية مثلا، ألا يكفي إلحاقهم بمدارس اللغات وتحدثهم بها في المدارس، فإن كنا سنتوقف عن إستخدام اللغة العربية في المدرسة وفي المنزل فأين سنستخدمها، ورأيي الشخصي إن ما يحدث هو تقليد أعمى ينم عن جهل مطبق وبعدم وعي بأهمية لغتنا وإكتسابنا هويتنا منها ومن يقوم بذلك يتخيل إنه يصل بنفسه إلى مصاف المتقدمين وإلى العالمية ولكن على العكس تماماً، فنجد أن علماء ومفكرين ومبدعين عاشوا أغلب سنوات عمرهم خارج مصر وهم أكثر تمسكاً وإلتزاماً بلغتنا العربية. على سبيل المثال العالم الكبير دكتور فاروق الباز أشعر بمتعة قصوى بمتابعة حديثه الشيق ولقاءاته، فهو شخص رائع يتحدث بلغة عربية كأنه لم يغادر مصر يوما، وأديبنا الكبير نجيب محفوظ لم يصل للعالمية ويحصد جائزة نوبل في الأدب بتقليد أو إقتباس من الأدب العالمي بل بالإستغراق التام في مصر بأحيائها الشعبية فخرج من أعماق المحلية إلى قمة العالمية. وأستاذي المفكر المبدع سفير السلام دكتور محمد حسن كامل رئيس اتحاد الكتاب والمثقفين العرب يقيم في فرنسا منذ حوالي ثلاثين عام وتجده أحرص ما يكون على اللغة العربية وإستخدامها فلم أسمعه في أي لقاء له طالما يتحدث العربية يلجاء لأي مصطلح أجنبي. وطبعاً الأمثلة كثيرة لعمالقة أحبوا اللغة العربية وعشقوها وذهبوا حيث الجمال في إنتقاء المفردات، فأقول كفى هراء وجهل بأهمية لغتنا العربية وكفانا إنبهار زائف باللغات الأخرى، نتعلمها نعم، نتحدثها في مجالها فلكل مقام مقال، لكن لغتنا العربية أولى بإهتمامنا ورعايتنا وأن نتمعن في جمالياتها وأسرارها ونغوص في بحورها ونستخرج كنوزها ودررها ونرقى بأنفسنا من خلالها.