شهدت إسرائيل على مدار الأعوام التى انقضت منذ إقامتها موجات احتجاج اجتماعى كثيرة، لكن يبدو أن موجة الاحتجاج الحالية تتسم بوجود فجوة كبيرة بين مقاربة المسئولين السياسيين وبين مقاربة المحتجين إزاءها، وذلك لسبب بسيط فحواه أن هؤلاء المسئولين يعتقدون أنها موجة احتجاج غير عفوية، وأن قوى سياسية معارضة للحكومة تقف وراءها. وبالنسبة لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو يمكن القول إن لديه أسبابا وجيهة، فى ضوء هذه الأزمة، كى يعتبر نفسه أنه أصبح متقدما فى العمر، لأن أصول اللعبة التى استخدمت من أجل تأجيج أعمال الاحتجاج الاجتماعية، ولا سيما تلك المتعلقة بالشبكة الاجتماعية «فيس بوك»، تبدو غريبة فى نظره. معروف أن نتنياهو يؤيد الاقتصاد الحرّ والتنافسى. ولذا فإن موجة الاحتجاج هذه تضعه أمام معضلات صعبة للغاية، إذ إنه يدرك أن الخضوع للمحتجين من شأنه أن يلحق أضرارا كبيرة بالاقتصاد الإسرائيلى، لكن فى الوقت نفسه ربما يؤدى تمسكه بنهجه الاقتصادى إلى سقوط حكومته. قبل شهرين عاد نتنياهو منتصرا من واشنطن، لكن يبدو أن انتصاره هذا تسبب بمعاقبته أكثر من مكافأته، وذلك لأنه أدى إلى سيطرة اليمين الاستيطانى المتطرف على الحكومة وعلى جدول أعمال الكنيست، وإلى كبح أى عملية سياسية «مع الفلسطينيين». وفى وقت لا توجد فيه مفاوضات أو حروب أو عمليات «إرهابية»، من الطبيعى أن تندلع نضالات شعبية ضد ارتفاع أسعار الوقود والمواد الغذائية الأساسية، ومن أجل تحسين أجهزة الصحة والتربية والتعليم والرفاه الاجتماعى، وحل جميع المشكلات التى تلحق أضرارا بالطبقة الوسطى. ولا شك فى أنه لو كان فى إمكان الفلسطينيين أن يقوموا بأعمال شغب فى الأول من أغسطس المقبل بدلا من سبتمبر المقبل لكان رئيس الحكومة أسعد إنسان على وجه الأرض.