عندما أعلن المجلس العسكرى عن إجراء الاستفتاء على التعديلات الدستورية بعد سقوط حسنى مبارك كان أمامنا احتمالان لا ثالث لهما،إما موافقة أغلبية الشعب على التعديلات وإما رفضها لها، وفى كلتا الحالتين كان الإعلان الدستورى حتميا لأن دستور 71 قد سقط بسقوط النظام, لا يخبرنى أحد الآن بأن اختيار "نعم" كان يعنى استمرار دستور 71. كيف ووجود المجلس العسكرى نفسه لا شرعية له فى ظل هذا الدستور؟ كيف يُتصور أن يبقى المجلس العسكرى على دستور يسحب منه شرعية وجوده ولو لفترة انتقاليه؟ اذن متفقين أن الجميع كان يعلم بصدور الاعلان الدستورى فى كل الحالات بعد الاستفتاء، هذا لمن يقول بأن الانقلاب على اختيار الشعب تم بالاعلان الدستورى وليس بمطلب الدستور أولا. كل الفرق بين "نعم" و"لا" كان فى ترتيب الاجراءات التى ستؤدى بنا إلى دستور جديد، فى حالة اختيار "لا" كان الاعلان الدستورى سيصدر متضمنا الدعوة لوضع الدستور ثم الانتخابات، وفى حالة اختيار"نعم" كان الاعلان الدستورى سيصدر متضمنا الدعوة للانتخابات ثم الدستور والجميع كان يعلم ذلك وهو ما حدث بالفعل، ففيم الجدل وقلب الحقائق؟ هل لأن النتيجة أتت بما لا تشتهى "النخبة"؟ كل التعديل الذى أُدخل على المواد المستفتى عليها هو استبدال كلمة "المجلس العسكرى" بكلمة "رئيس الجمهورية" تماشيا مع الواقع على الأرض، لا يعتبر هذا انقلابا على التعديلات ولا الغاء لها بأية حال، فالمجلس العسكرى ببساطة يمارس مهام رئيس الجمهورية، أم تريدون منا الانتظار بلا دستور لما بعد انتخاب الرئيس الجديد؟ ولمن يقول بأن الانتخابات أولا ستجعلنا نجرى انتخابات البرلمان والرئاسة مرتين فى سنة واحدة نقول بأنه يمكن تضمين الدستور الجديد مادة تستثنى البرلمان الحالى من الحل وتتيح للرئيس القادم اكمال فترته الرئاسية. قد يقول البعض بأن الغرض الحقيقى من الاستفتاء كان قياس الرأى العام ومعرفة توجهه أو توجه الأغلبية منه وقد يكون هذا صحيحا بالفعل، ولكن هذا يصب فى غير صالح دعاة الدستور أولا أيضا، فالمصوتين ب"لا" كانوا أقلية وبفارق كبير وواضح عن المصوتين ب"نعم"، ولو أخذنا فى الاعتبار أن المصوتين ب"لا" لم يكونوا كلهم من الليبراليين ولا العلمانيين كحالة العبد لله الذى اختار "لا" رغم كونه بعيدا عن أولئك وهؤلاء، فيمكننا تصور مدى تمثيل هذه التيارات الفعلى فى الشارع، ومدى حاجتها للعمل الجاد فى الشارع ومحاولة الوصول للناس واكتساب أرضيات جديدة فربما كان هذا أفضل لها من الهجوم المستمر على مخالفيها فى الأيديولوجيا بحق أحيانا وبباطل غالبا، وبالتأكيد سيكون هذا أفضل من نعتها للشعب بعدم النضج السياسى ومحاولة فرض الوصاية عليه كما كان يفعل نظام مبارك. من المدهش حقا أن يجمع من يسمون أنفسهم بالنخبة على تزوير كل الانتخابات فى عصر مبارك وفى ظل مشاركة نسبة لا تزيد عن 3 بالمائه من الشعب فى الانتخابات، ثم وبعد الثورة ومشاركة ملايين المصريين المتوقعة فى الانتخابات"الاستفتاء السابق كان بروفه للمشاركه الواسعه" نجد نفس "النخبة" تطالب بتأجيل الانتخابات خوفا من وصول أعضاء الوطنى للبرلمان، لو كان الوطنى قادرا على الفوز بانتخابات نزيهة فلماذا كان يزور؟ وان كان قد وصل فى انتخابات نزيهه فلماذا قامت الثوره؟ حينها سأسميها انقلابا على الشرعية التى كان يمثلها الوطنى. نفس الأمر ينسحب على تخويفهم من الإخوان المسلمين، قبل الثوره كنا نسمع أن الشعب يصوت للإخوان نكاية فى الوطنى وأنهم بلا شعبيه حقيقيه، والآن يريدون تأجيل الانتخابات لأن الإخوان هم الفصيل الوحيد الجاهز والموجود فى الشارع، أى تناقض؟ من يؤيد مبدأ الانتخابات أولاً يعرف بوضوح آلية تشكيل اللجنة التأسيسية التى ستضع الدستور، فهل يخبرنا أحد من الطرف الاخر كيف ستنتخب هذه اللجنة قبل تشكيل البرلمان؟ اعطونا آلية واضحة المعالم ومحددة المدة وأعطونا ضماناتٍ أنه لن يخرج علينا من يطعن فى اللجنة ويجمع التوقيعات للمطالبة بعزلها كما تجمعون التوقيعات الآن. الواقع أن هذا الاستقطاب المصطنع وغير المبرر ينذر بانقسام حاد فى المجتمع لا يحمد عقباه, كما أنه يرسى سابقة خطيرة إن تجاوزنا ارادة الشعب تحت اى مبرر، كما أن جمع التوقيعات لا سند له من القانون ويمكن الطعن بسهولة على صحة التوقيعات وعلى صفة من قام بجمعها لندخل فى دائرة مفرغة لن نخرج منها بسهولة وربما لن نخرج منها أبداً. إن الدعوة للديمقراطية ودولة القانون لا تستقيم أبدا مع الدعوة لتأجيل الانتخابات واطالة الفترة الانتقالية ليبقى العسكر وقتاً أطول بدلا من الاسراع نحو الحكم المنتخب. البعض يقترح حلا وسطا للخروج من الأزمة وهو الاتفاق على بعض المبادئ المسماة مجازا ب"فوق الدستورية" مع تحفظى على التوصيف، وللتذكرة فإن هذه المبادئ ليست اختراعا من عند البرادعى مثلاً ولا فتحاً، لكنها كانت موجودة فى دستور 71 الذى سقط ولم تكفل لنا حكما ديمقراطيا ولا دولة القانون، مشكلتنا الرئيسيه مع دستور 71 كانت فى الباب الخامس الذى ينظم شكل الحكم والعلاقة بين السلطات فى الدولة ويعطى صلاحيات الهيه للرئيس، هل سمعنا أحدا يتكلم عن هذا, هذا والله أكثر نفعا للوطن من الكلام عن المادة الثانية. اذا كان مبرر الخوف من الانتخابات اولا هو عدم وجود ضمانة لعدم فوز تيار معين بأغلبية البرلمان وانفراده بوضع الدستور فالرد ببساطة أنه لا ضمانة سوى الشعب، الشعب الذى سينتخب البرلمان والذى بدوره سينتخب اللجنة التاسيسة، والشعب نفسه الذى سيقول رأيه حين يطرح الدستور الجديد للاستفتاء عليه، فإن كنتم يا أصحاب الدستور أولا لا تثقون بالشعب وباختياره فقولوها صريحة مدوية بدلا من التلون واختلاق المبررات، وإن كنتم تثقون به فالتزموا باختياره وان جاء على غير هواكم يرحمكم الله. كمواطن شاركت فى الاستفتاء واخترت"لا" كنت أتمنى ألا يتم الاستفتاء على التعديلات أصلا، وأن يصدر الاعلان الدستورى بعدد قليل من المواد غير الخلافية لتسيير أمور الدولة لحين وضع دستور جديد يستفتى عليه الشعب ثم تجرى الانتخابات، كان هذا رأيى الشخصى ولا يزال، أما وقد تم الاستفتاء بالفعل وأصبحنا أمام نتيجة لا يستطيع كائن من كان ولا المجلس العسكرى نفسه أن يتجاوزها، فأنا أعلن احترامى لاختيار الشعب وانحيازى بل ودفاعى عنه حتى آخر مدى.