أمس الأول «الاثنين 25/5» نشرت صحيفة «هاآرتس» الإسرائيلية الخبر التالى منسوبا إلى محررها باراك رافيد: وافقت إسرائيل على سحب اعتراضها على انتخاب السيد فاروق حسنى وزير الثقافة المصرى مديرا لمنظمة اليونسكو. وكان ذلك ثمرة اتفاق تم بين الرئيس حسنى مبارك ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أثناء اجتماعهما الذى عقد فى شرم الشيخ يوم 11 مايو الحالى. وفى تقديمه ذكر المراسل أن فاروق حسنى الذى يشغل منصبه الوزارى منذ 22 عاما «عين فى عام 1987» قال ذات مرة إنه لو استطاع لأحرق الكتب الإسرائيلية التى عرفت طريقها إلى المكتبات المصرية. أضاف المراسل أن القرار الإسرائيلى جزء من صفقة سرية تم الاتفاق عليها بين الرئيس المصرى ورئيس الوزراء الإسرائيلى. وليس معلوما طبيعة المقابل الذى حصل عليه نتنياهو لتغيير موقف حكومته، لكن مسئولا كبيرا فى مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلى صرح بأن الصفقة تبادلية، وأن مصر ستتجاوب مع القرار باتخاذ خطوات أخرى من جانبها، فيما يعتبر مقابلا جيدا وملموسا. وأضاف أن إسرائيل ما كان لها أن تتخذ هذه الخطوة إلا إذا اطمأنت إلى أن ذلك يحقق مصالحها فى نهاية المطاف. هذا الجزء الأخير تجاهلته بعض الصحف المصرية التى نشرت الخبر، فى حين لم تتوقف عنده صحف أخرى، الأمر الذى لا يقلل من أهمية التساؤل عن طبيعة الثمن الذى دفعته مصر فى الصفقة. علما بأن المقابل المدفوع سيكون ماديا وملموسا وفى صالح إسرائيل، حسب كلام المسئول الإسرائيلى الكبير، فى حين أن القرار الإسرائيلى سياسى وأدبى لا أكثر. ناهيك عن أنه لا يشكل ضمانة كافية لفوز الوزير المصرى بالمنصب المنشود. ليست هذه هى الملاحظة الوحيدة على أهميتها، لكن الملاحظة الأخرى التى لا تقل أهمية، والتى لا تخلو من مفارقة، أن إسرائيل لم تنس جملة قالها السيد فاروق حسنى أثناء مناقشة برلمانية. ثم كفّر عنها بعد ذلك بدعوة الموسيقار الإسرائيلى دانيال بارينبوم لتقديم حفل فى دار الأوبرا المصرية، دُعى إليه أغلب رموز الثقافة فى مصر، الأمر الذى بدا وكأنه اعتذار ومصالحة جماعية، ليس من الوزير فحسب، ولكن من أغلب المثقفين الرافضين للتطبيع مع إسرائيل. المفارقة أن السيد نتنياهو حين جاء إلى شرم الشيخ، وعقد الصفقة التى «صفح» فيها عن السيد فاروق حسنى، اصطحب معه بنيامين اليعازر، وزير الصناعة فى حكومته، الذى قدمه إلى الرئيس باعتباره «صديقا قديما». وهذا «الصديق القديم» كان قائدا لوحدة «شكيد» الإسرائيلية التى قتلت 250 جنديا من وحدة كوماندوز مصرية فى عام 1967. وقد تم تحقيق هذه الجريمة فى فيلم وثائق باسم «روح اشكيد» بثه التليفزيون الإسرائيلى فى مارس عام 2007. وتضمن بعض مشاهد إطلاق النار على الجنود المصريين فى العريش خلال حرب يونيو. وكان لبث الفيلم صداه الذى أغضب المصريين وأحرج الحكومة آنذاك. فقدمت ست دعاوى قضائية «لم يعرف مصيرها» ضد بن اليعازر بوصفه قائدا لوحدة قتل الجنود المصريين، فى حين ألغيت زيارة لمصر كان مقررا أن يقوم بها باعتباره وزيرا فى حكومة أولمرت. وقرأنا أن وزير خارجية مصر بعث برسالة «شديدة اللهجة» إلى وزيرة خارجية إسرائيل، ثم طويت صفحة الرجل بعد ذلك، وسكتت مصر عن جريمته ثم استقبلته بعد ذلك كصديق! ينتابنى شعور بالخزى والعار حين أجد أننا أغلقنا ملف قتل الأسرى المصريين ونسيناه، ثم استقبلنا أحد كبار القتلة بعد ذلك ضمن وفد عقد فى شرم الشيخ صفقة لمسامحة وزير الثقافة على بضع كلمات قالها بحق الكتب الإسرائيلية. هل يعقل أن يصبح طموح الوزير أغلى وأعز من دماء 250 جنديا مصريا؟.. وأليس من حقنا أن نعرف الثمن الذى دفع فى الصفقة، وأن نفهم كيف تحول قاتل الجنود المصريين إلى صديق، علما بأن جريمته بحقنا مما لا يسقط بمضى المدة بحكم القانون؟.