فى مكان مميز من واجهة الكشك يضع بائع الجرائد فى شارع «نادى إمبابة الرياضى» جريدة «صوت إمبابة». يوحى ذلك بأنها مطلوبة، ولكنه يرد قائلا: «توزيعها على قدها طبعا، وبتصدر كل فين وفين» ثم يضيف مبتسما «لكن الجار أولى بالشفعة». ولكن هناك سبب آخر، فالعنوان الرئيسى للعدد الأخير من الجريدة يجتذب بسهولة أنظار المارة ومشترى الصحف الأخرى: «أسماء الشوارع التى سيلحقها التطوير وأرقام الأراضى التى ستزال». مثل هذا العنوان يثير فضول كل من يسكن فى إمبابة، بسبب مشروع تطويرها الذى لن يقتصر على منطقة أرض المطار. هناك من يشترى بسرعة وهناك من يقف لدقائق يحاول تدقيق النظر وقراءة تفاصيل الخبر والجريدة فى مكانها، ولا ينزعج البائع من ذلك. لكن بعض من اشتروا بحثوا عن خريطة توضح أماكن قطع الأراضى المكتوب أرقامها والتى ستنزع ملكيتها فلم يجدوا. ولكى يعرفوا، يبدو أن عليهم الاتصال بالجريدة أو التوجه إلى مقرها القريب. فى شقة صغيرة بالكيت كات، يوجد المقر المشترك للجريدة و«جمعية الشباب»، وكلاهما أسسهما الشقيقان سيد إمبابى ومحمد إمبابى. يحب سيد إمبابى، رئيس مجلس إدارة الجريدة، أن يؤكد أولا على كون العائلة لا تنتمى إلى إمبابة بالاسم فقط ويقول: «العائلة فى إمبابة من زمن ومعروفة هنا، وأنا أسكن فى شارع القومية العربية ولا زلت أركب الميكروباص وأعرف مشاكل وهموم أهل المنطقة». أما عن أرقام الأراضى التى ستنزع ملكيتها فيقول: «هذه المعلومات سبق وانفراد للجريدة، فعلاقتنا جيدة بمحافظ الجيزة وبرئيس المجلس المحلى. وهذا النوع من الأخبار أحد أسباب تميزنا كجريدة محلية عن الجرائد العامة. أما عن عدم وجود خريطة توضيحية فلأن قدامى سكان إمبابة وأصحاب الأراضى يعرفون أرقام أراضيهم جيدا». أسس الشقيقان الجريدة فى يناير 2005 بترخيص حزبى، فهما عضوان فى أمانة الشباب فى الحزب الوطنى، وتزامن ذلك مع خوض سيد إمبابى انتخابات مجلس الشعب فى نهاية نفس السنة مستقلا فى مواجهة مرشحى الوطنى. يرفض سيد إمبابى الحديث عن تفاصيل ولكنه يلمح إلى «صراعات وأطماع» داخل الحزب وصلت إلى إصدار آخرين جريدة بالاسم نفسه لإزاحتها، وهو ما دفعه وفريق الجريدة إلى التنازل عن الترخيص الحزبى والتحول إلى جريدة تصدر بترخيص من لندن. خلف مكتبه، صورة ضخمة تحتل كل الحائط لمشهد النيل من إمبابة وفوقه اسم الجريدة، وفى أركان الحائط شعارات الشركات الراعية. ولكن سيد إمبابى يحاول أن ينفى الصورة النمطية المرتبطة بالصحف الصغيرة، وربما بعض الصحف الكبيرة، التى يتحكم فى تحريرها المعلنون والرعاة، مؤكدا أن الإعلانات جاءت بعد فترة طويلة من تأسيس الجريدة. الصفحة الرئيسية لآخر أعداد الجريدة الصادر فى 15 فبراير الماضى تتصدرها على اليمين صورة محمد حامد الصفطاوى، أمين شباب الحزب الوطنى فى منطقة «مدينة العمال» وأحد رعاة الجريدة، يهنئ أهالى إمبابة بالمولد النبوى، وعلى اليسار إعلان عن فضائية الأمة السلفية. وفى داخل العدد موضوع كبير يضم صورة أخرى للصفطاوى مع صور لكل أمناء شباب الحزب الوطنى فى مناطق إمبابة بمناسبة إقامة دورة الحزب الوطنى لكرة القدم. فى العدد إشادة فى أكثر من موضع بأداء سيد عبد العزيز محافظ الجيزة ومصطفى الخطيب رئيس المجلس المحلى، على هامش متابعات اجتماعات المجلس وجولات المحافظ. وصفحة كاملة لنشر اقتراح تتقدم به «جمعية الشباب» شقيقة الجريدة للمساهمة فى ترخيص التوك توك بوساطتها أسوة بميكروباصات جمعيات نقل الركاب. يعلق سيد إمبابى متسائلا: «هل أصبح الانتماء للحزب الوطنى وكأنه سبة أو شيئا مشينا؟.. الصحافة التى تمارس الانتقاد العنيف والمعارضة بلا هدف لا جدوى منها، وإذا اصطدمت بالأمن فلن تتمكن من العمل وستفقد التأثير. الجريدة والجمعية لهما دور تنموى فى إمبابة ولذلك نحرص على علاقتنا بالمسئولين. نرى الجانب الجيد من أدائهم لكى نقول لهم نحن نتابعكم ونشجعكم على المزيد». حتى بعض الأحداث التى ترتفع فيها أصوات المعارضين مثل التنظيف والتجميل الفورى للشوارع والمناطق التى شملتها الزيارة الأخيرة لسوزان مبارك دونا عن باقى الشوارع والمناطق، يراها سيد إمبابى وجريدة «صوت إمبابة» بشكل مختلف: «لننظر إلى الجانب الإيجابى. من يسكنون هذه الشوارع والمناطق فقد تم تجميل مناطقهم، والآخرون استفادوا من تجميل شوارع ومناطق يمرون بها فى أشغالهم أو تقع فيها مدارس أولادهم». المزيد من الزيارات لتغطى كل المناطق سيكون حلا إذن. ولكن صفحات الجريدة تضم، أيضا، بعض الانتقادات للاستثناءات فى هدم الأدوار المخالفة أو عرض مشاكل المرور والنظافة فى بعض الشوارع، ومقال سيد إمبابى فى الصفحة الأولى يناشد المسئولين أن يوجد فى شوارع إمبابة رجال مرور لحفظ النظام، مذكرا أن مشهد رجال المرور يختفى تماما فى إمبابة والوراق باستثناء ميدان الكيت كات القريب من العجوزة. لغة الأخبار والتحقيقات تبتعد قليلا عن فصحى الصحافة وتقترب أحيانا من طريقة الكلام الشفهى والعامية، ولا تحمل عادة أسماء محرريها، أسماء الكتاب فقط على المقالات. يقول سيد إمبابى «فريق العمل الأساسى يعد على الأصابع، ولكننا ننشر لمتطوعين ومساهمين من أبناء إمبابة». تضم ترويسة الجريدة أسماء الفريق، منهم عمر إمبابى، نجل سيد إمبابى، المتخرج حديثا فى كلية الحقوق، وهو مسئول عن قسم التحقيقات التى تخص المحافظة والمجلس المحلى، وهى أهم وأكبر مساحات الجريدة. وهناك مستشار سياسى للجريدة هو حسن عبد الله، القيادى بالحزب الوطنى، الذى يقول سيد إمبابى إنه مؤسس جريدة «صوت بولاق» فى منطقة بولاق الدكرور، وهى التجربة التى ألهمته إنشاء «صوت إمبابة». لا يعمل فى «صوت إمبابة» صحفيون محترفون إلا رئيس تحريرها حسن سعودى، الصحفى بمجلة أكتوبر. سيد إمبابى رئيس مجلس الإدارة يعمل بالأساس رساما هندسيا فى هيئة قناة السويس. تضم الجريدة صفحات متنوعة للأدب والمرأة والدين يضم ركنا للفتاوى ومقالات عن الإعجاز العلمى فى القرآن وصفحة للرياضة فى إمبابة ومساحة اجتماعيات، وتضع الجريدة الحوادث فى صفحتها الأولى. ويفخر سيد إمبابى أن الجريدة لا تكتفى بنقل الحوادث التى تكشفها الشرطة، بل تقوم بكشف حوادث قبل الإبلاغ عنها، مثل حادثة النصب التى كتبت عنها الجريدة تحت عنوان «بوشى إمبابة»، وهو شاب صغير تقاضى أموالا من عدد من الناس بهدف توظيفها وهرب. ولكن ما يثير الدهشة هى الصفحة الكاملة غير الإعلانية المخصصة لأخبار وتفاصيل التعاون بين مصر وجمهورية أوزباكستان، وتكرار هذه الصفحة فى الأعداد الأخيرة.ما علاقة ذلك بإمبابة؟ يصمت سيد إمبابى طويلا قبل أن يقول: «نحن على علاقة جيدة بمدير الشركة الدولية لإدارة المعارض الذى توجه إلى هناك بصحبة رجال أعمال بناء على توجيهات الرئيس مبارك لتعزيز التعاون بين البلدين فى مجالات مختلفة من الاستثمار، وهذا سيفيد كل المصريين بمن فيهم أهالى إمبابة» ثم يضيف مبتسما: «كما أن العلاقات نفسها مفيدة جدا للصحافة كما تعلم».