كل قرار مانشيت، هكذا تحول حال جهاز الكسب غير المشروع خلال الأسبوعين الأخيرين، فالقرارات خلال تلك الفترة كانت دائما متعلقة برموز النظام السابق، الذين كانوا قبل شهور قليلة، أبعد من مستوى الحلم بوقوفهم وراء القضبان وفى الزنازين. الكسب غير المشروع، هى إحدى إدارات وزارة العدل ظهر اسمها وذاع صيتها بقوة خلال الفترة الأخيرة عندما كشفت عن فساد الذمم المالية لأغلب رموز النظام السابق، ورغم أن إنشاءها سبق تلك الأحداث ب36 عاما فإن اسمها لم يبرز قبل الآن سوى فى قضايا قليلة وعلى استحياء، لتكشف ربما عن خلل فى أدائها طوال الفترة السابقة، وتطرح تساؤلا مفاده أين كانت إدارة الكسب غير المشروع قبل ثورة 25 يناير. فى عام 1975 أقر مجلس الشعب المصرى القانون رقم 62 الذى نشأت بموجبه إدارة جديدة بوزارة العدل سميت إدارة الكسب غير المشروع، تشكل من مدير يتم اختياره من بين مستشارى محاكم الاستئناف ومن عدد كاف من الرؤساء بالمحاكم الابتدائية، يتم ندبهم طبقا لأحكام قانون السلطة القضائية، وتختص تلك الادارة بطلب البيانات والإيضاحات المتعلقة بشكاوى الكسب غير المشروع. حدد القانون المكون من 26 مادة الفئات التى تخضع لهذا القانون فى مادته الأولى بأنهم القائمون بأعباء السلطة العامة، وسائر العاملين فى الجهاز الادارى فى الدولة، رئيس وأعضاء مجلس الشعب ورؤساء وأعضاء المجالس الشعبية المحلية وغيرهم ممن لهم صفة نيابية عامة سواء كانوا منتخبين أو معينين، بالإضافة إلى رؤساء وأعضاء مجالس الإدارة وسائر العاملين بالهيئات العامة والمؤسسات العامة والوحدات الاقتصادية التابعة لها. كما ضم القانون رؤساء وأعضاء مجالس الإدارة، وسائر العاملين بالشركات التى تساهم الحكومة أو الهيئات العامة أو المؤسسات العامة أو الوحدات الاقتصادية التابعة لها بنصيب فى رأسمالها، باستثناء الأجانب الذين لا يجاوز أجرهم ما يعادل الربط المالى للمستوى الثالث، ويخضع أيضا للقانون رؤساء وأعضاء مجالس إدارة النقابات المهنية والاتحادات العمالية والنقابات العمالية العامة، والجمعيات الخاصة ذات النفع العام، ورؤساء وأعضاء مجالس الإدارة والعاملون بالجمعيات التعاونية. العمد والمشايخ، ومأمورو التحصيل ومندوبوه والأمناء على الودائع والمصارف ومندوبو المشتريات والمبيعات وأعضاء لجان الشراء والبيع فى تلك الجهات بالإضافة إلى الممولين الخاضعين لنظام البطاقة الضريبية إذا جاوز مجموع معاملاتهم ال 50 ألف جنيه، أيضا ضمهم قانون الكسب غير المشروع بما يعادل 7 ملايين مواطن تقريبا، وأعطى لرئيس الجمهورية أن يضيف فئات أخرى بناء على اقتراح وزير العدل إذا اقتضت ذلك طبيعة العمل الذى تقوم عليه تلك الفئات. وشرح القانون فى مادته الثانية مفهوم الكسب غير المشروع بأنه كل مال حصل عليه أحد الفئات التى تم تحديدها لنفسه أو لغيره بسبب استغلال الوظيفة أوالصفة أو نتيجة سلوك مخالف لنص قانونى عقابى أو للآداب العامة، مشيرا إلى أن كل زيادة فى الثروة تطرأ بعد تولى الخدمة على الشخص الخاضع لهذا القانون أو على زوجه أو أولاده القصر، بشكل لا يتناسب مع مواردهم، وعجز المسئول عن إثبات مصدر مشروع لها تعتبر ناتجة بسبب استغلاله الوظيفة أو الصفة أو السلوك المخالف. وبالتالى أصبح على كل من يدخل فى إحدى الفئات التى تخضع لهذا القانون، أن يقدم إقرارا عن ذمته المالية وذمة زوجه وأولاده القصر يبين فيه الأموال الثابتة والمنقولة خلال شهرين من تاريخ خضوعه لأحكام الكسب غير المشروع، كما يجب عليه أن يقدم بصفة دورية اقرار الذمة المالية كل 5 سنوات تمر عليه فى الخدمة وتعقب تقديمه الإقرار السابق، وذلك طوال مدة شغله لمنصبه، وعقب انتهاء خدمته عليه أيضا أن يقدم إقرارا آخر خلال شهرين، ويجب أن تتضمن تلك الإقرارات مصدر الزيادة فى الذمة المالية إذا كانت هناك زيادة. وتولت إدارة الكسب غير المشروع النظر فى الشكاوى، التى لم يكن جهاز المدعى العام الاشتراكى قد انتهى منها قبل إلغائه فى 2008 بعد الموافقة على اقتراح الرئيس السابق مبارك بحذف الباب السادس من الدستور فى إطار التعديلات الدستورية والخاص ب«المدعى العام الاشتراكى»، ليعتبر البعض أن الإدارة التابعة لوزارة العدل قد أصبحت بديلا عن المدعى الاشتراكى. وقد نص قانون الكسب غير المشروع على أن من يتولى فحص إقرارات الذمة المالية وتحقيق الشكاوى، هى هيئة أو أكثر تشكل كل منها من خمسة من مستشارى محكمة النقض يختارون فى بداية العام القضائى بطريق القرعة وتكون رئاستها لأقدمهم، لفحص إقرارات الذمة المالية والشكاوى المتعلقة برئيس الجمهورية ونوابه ورئيس مجلس الشعب ورئيس مجلس الوزراء ونوابه ومن هم فى درجتهم والوزراء وأعضاء مجلس الشعب، وهيئات أخرى يصدر بتشكيلها قرار من وزير العدل تتألف كل منها من مستشار بمحاكم الاستئناف، وذلك بالنسبة إلى من فى درجة الوزير ونائب الوزير والفئة الممتازة ووكلاء الوزارات ومن فى درجتهم، وهيئات تتألف كل منها من رئيس محكمة بالنسبة إلى باقى الخاضعين لأحكام هذا القانون. ورغم أن إدارة الكسب غير المشروع تعد جهة قضائية، فإن أكثر الانتقادات التى وجهت اليها هى تبعيتها لوزارة العدل، والتى تحدث عنها المستشار أحمد شوقى الشلقانى رئيس الإدارة الأسبق قائلا: «هناك جهتان تقومان بالتحريات فى الشكاوى هما الرقابة الإدارية وهى تابعة لرئيس مجلس الوزراء بحكم قانونها، ومباحث الأموال العامة وهى تابعة للداخلية، ولم تستطع الجهتان القيام بعملهما طوال الفترة الماضية، مما أدى إلى إخفاء الكثير من القضايا وعدم التعامل معها كما يقضى القانون»، مشيرا إلى أن التكتم كان على الشكاوى ضد الكبار فى النظام السابق». كما كشف الشلقانى فى أحد الحوارات عن تدخل وزير العدل فى عمل جهاز الكسب غير المشروع التابع له، الذى كان غالبا فى غير صالح التحقيقات فى قضايا معينة، قائلا: «أى شخص يجرى التحقيق معه ويراد اتخاذ إجراءات بشأنه من قبض عليه أو حبس احتياطى أو تفتيش أو إحالة للمحاكمة ينبغى أن يعلم بها الوزير أولا، برغم أن قانون الكسب غير المشروع يعطى استقلالا كاملا لهيئات الفحص والتحقيق والتصرف والاتهامات فى الشكاوى ضد الفاسدين، فإن رئيس الجهاز بحكم كونه مساعدا لوزير العدل يتعين عليه أن يخطر الوزير ويضعه فى الصورة، ومن هنا كانت كثير من القرارات الواجب اتخاذها على ضوء التحقيقات لا يوافق عليها الوزير وبالتالى لا تأخذ طريقها الطبيعى». أقرأ باقي التفاصيل في النسخة الورقة أو نسخة البي دي أف