تنبيه إلى المدونين: سأكتب عمودا دفاعا عن ديك تشينى. وأعرف مقدار ما يسببه ذلك من ضيق لمنتقدى تشينى، وأنا واحد منهم، الذين يرون أن كل شىء يقوله كذبا. ومع ذلك لابد لى أن أتساءل: إذا ما كان الذى يقوله الآن أى ما يتعلق بأن التعذيب مجدٍ صدقا؟. هذه نقطة مبهمة إلى حد ما، حيث إن الولاياتالمتحدة تصر على أنها لن تمارس التعذيب مرة أخرى، ويضيف رجال بوش بسرعة إنها لم تمارسه قط. فالتعذيب عمل غير أخلاقى، والرئيس أوباما محق فى تأكيده على الموقف الأمريكى منه. غير أننى أحتفظ بقدر ضئيل من الشك حول ما إذا كانت «وسائل التحقيق المحسَّنة» قد أفلحت وأدت دورها بالفعل أم لا. فكونها لم تفلح مسألة يقتنع بها تماما هؤلاء الذين ينتمون لليسار، والذى يبدو أنهم يرون أن الإرهابيين المشتبه فيهم قد عذبتهم وكالة الاستخبارات المركزية بلا أى داع. ومع ذلك يصر تشينى على أن الإجراءات نفسها التى يُحكَم عليها الآن بأنها غير مشروعة قد أفلحت وأثبتت جدواها، وأن التخلى عنها جعل البلاد أقل أمنا. وقد قال تشينى ذلك منذ فترة قريبة جدّا، يوم الأحد الماضى فى برنامج «واجه الأمة» على شبكة سى.بى.إس. وقال لبوب شيفر محاوره فى البرنامج: «كانت تلك السياسات مسئولة عن إنقاذ حياة الناس». والواقع أن تشينى يطرح سؤالا غاية فى الصعوبة: هل يعتبر التعذيب أكثر لا أخلاقية من الفشل فى منع موت الآلاف؟ وتمثل شخصية تشينى معضلة بشأن مصداقيته. وقد قال فيما مضى: «نعلم أنهم (أى العراقيين) لديهم أسلحة بيولوجية وكيماوية»، بينما اتضح أننا لم تكن لدينا أى معلومات من هذا القبيل. وقد أصر على أنه توجد لدى الولاياتالمتحدة «أدلة دامغة» على كون القاعدة على اتصال رفيع المستوى مع نظام صدام حسين، بينما لم يكن هناك وجود فى واقع الأمر لتلك «الأدلة» التى ذكرها. وقد أكد مرارا أن العراق كان لديه برنامج أسلحة نووية يشكل تهديدا. ومع ذلك، فإن لكل كلب يومه وتشينى ينبح بشأن كفاءة ما يمكن تسميته بمنتهى البساطة «تعذيبا». وهو يقول إنه عرف من مذكرتين لوكالة الاستخبارات المركزية تدعمان إدعاءه أن وسائل التحقيق القاسية أفلحت وأن الكثير من الأرواح تم إنقاذها. وقال لشيفر: «هذا هو ما فى تلك المذكرتين». فهما تتحدثان «بشكل محدد عن تخطيط مختلف للهجوم كان يجرى الإعداد له وكيف أنه أوقف». ويقول تشينى إن المذكرتين كانتا لديه فى يوم من الأيام داخل ملفاته وطلب منذ ذلك الحين أن يتم الإفراج عنهما. وهو معه حق فى هذا الطلب. وعلى أى الأحوال فإن هذا ليس مجرد شىء من العراك السياسى، الذى يخوضه المدونون. وهو حتما صراع يتعلق بالحياة والموت ليس الأيديولوجى، وإنما الأشخاص الذين ألقوا بأنفسهم من مركز التجارة العالمى المحترق. وإذا كان تشينى محقا، فليبدأ الجدال إذن: ما العمل بشأن أساليب التحقيق المتبعة.. هل ينبغى أن يكون حظرها بشكل شامل وللأبد.. هل يمكننا الحديث عما هو كائن وليس ما ينبغى أن يكون؟ وفى نفس الاتجاه، هل يمكننا كذلك اكتشاف ما كانت نانسى بيلوسى تعرفه ومتى عرفته.. وإذا كانت بالفعل على علم بشأن الغمر بالماء (الإيهام بالغرق) منذ عام 2003، فإن ذلك لا يجعلها مجرمة حرب إلا أنها إذا كانت تعرف وأصرت على عكس ذلك، لجعل هذا منها واحدة من هؤلاء الأشخاص، الذين لن يعترفوا بأن جو ما بعد الحادى عشر من سبتمبر مباشرة سمح بالأساليب التى تبدو الآن مرعبة. فى أيام دراستى، كان هناك الكثير من النقاش فى وقت متأخر من الليل بشأن قضية «الرجل الحر»، ولتتذكروا أننى لا أقصد هنا الحر سياسيا، بل المتحرر من القيود الثقافية البورجوازية. (وكثيرا ما كان يُستشهد بالكاتب المهم فى يوم من الأيام جان جينيه، وهو مجرم صغير وداعر سابق). وبلغة السياسة، كان تشينى رجلا حرّا نتيجة لتحاشيه أى طموحات رئاسية. وقد أصبح الأكثر افتقارا إلى الحكمة من بين الساسة، وما زال يقوم بهذا الدور، حيث لم يتعهد بالتوبة أو يتعهد بالصمت فى فترة ما بعد توليه منصب نائب الرئيس. وهو يقول إن القضايا فى رأيه أهم من أن يلعب دور الأم، كما جرت العادة. وهو محق فى ذلك. فقد كان الاندفاع إلى حرب العراق المفجعة يتسم برفضه الشديد إلى قبول الجدل. وقد أضرنا حينذاك، وسوف يضرنا الآن، إذا كان الأشخاص، الذين يعرفون شيئا عن فائدة «وسائل التحقيق المحسنة»، ناهيك عن أخلاقيتها، بقوا على صمتهم. وينبغى على إدارة أوباما تحدى تشينى كى يثبت صحة كلامه وتفرج عن المذكرتين. ذلك أنه إذا كانت الساعة المعطلة تصدق مرتين فى اليوم، فقد يكون هذا توقيت تشينى. Washington Post Syndication