كلما حاولنا إقناع أنفسنا بان العالم أصبح أكثر تحضر ورقي تأتينا الصدمات التي توعينا على الواقع الدولي الذي يكيل بمكاييل عديدة لكي تبرهن لنا إن المجتمع الدولي كذبة يكذبها الدول العظمى على شعوب الدول الحالمة بالحرية لإيهامهم بما هو ليس بموجود. في هذه السنة تأتي ذكرى مجزرة حلبجة الكردية مع أحداث تعصف بالدول العربية لتثبت انه لا فرق بين الدم الكردي والدم العربي أمام حكومات جائرة لا يهمها إلا مصالحها الذاتية ولا أسهل عليها من سفك الدم الحر وقتل الروح التواقة للحرية سواء كانت في كردستان العراق أو في البحرين أو في ليبيا . لقد حاول الساكتون على فاجعة حلبجة تبرير سكوتهم المقيت هذا بان المجزرة حصلت تحت تعتيم إعلامي تام من قبل أجهزة القمع الصدامية حينها رغم إن كل الدلائل تشير أن كل الدول العظمى وكل الدول العربية كانت على علم تام بما حدث إلا أنها ارتأت السكوت خوفا على مصالحها السياسية والاقتصادية مع النظام ألبعثي البائد .. حيث لا يزال الشعب الكردي في كردستان يتذكر تصريح احد رؤساء الدول العربية آنذاك عندما صرح ساخرا ( هل كان أهل حلجبة يتوقعون من صدام حسين أن يرش عليهم العطور ؟ هذاامر طبيعي أن يستعمل صدام حسين الكيماوي). ما يحصل ألان في البحرين وما يحدث في ليبيا هو أن هناك شعبين ينتفضون للحصول على حرياتهم ومن اجل التغير الذي أصبح محتما بكل ما في سنن الكون من قوانين وهما قضيتان متشابهتان من الناحية السياسية والإنسانية لا يفرق بينهما سوى تعامل الدول العربية ومجلس الأمن الدولي معهما. بالرغم من أن الشعب البحريني قال كلمته واظهر للعالم ولحكامه رفضه للأوضاع السياسية التي يعيشها في المملكة وتمثل هذا بخروج عشرات الآلاف من المتظاهرين ضد حكومة البحرين إلا أننا رأينا كيف وقف المجتمع الدولي ضد تطلعات هذا الشعب ولم ينبت ببنت شفه أمام القمع الذي مارسته حكومة مملكة البحرين وأمام مرأى ومسمع من كل العالم, وكل ما تفتق عن إنسانية أمريكا والمجتمع الدولي أنها أوصت الطرفين بضبط النفس وكأننا أمام جيشين مقاتلين وليس بين شعب اعزل وجيش مدجج بالسلاح . لم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل إننا شهدنا تحركا سريعا لدول مجلس التعاون الخليجي أثمرت عن دخول قوات درع الخليج داخل الأراضي البحرينية , ومن المعروف أن هذه القوات أنشئت للقيام بالدفاع عن دول الخليج العربي حال تعرض أي دولة من دولها إلى خطر عسكري خارجي وهي تتألف من قوات قوامها ثلاثون ألف ضابط وعسكري دخلوا في دولة عدد سكانها كلها لا يتجاوز المليون ونصف المليون وقد حازت هذه الخطوة مباركة أمريكية وتفهما أمريكيا . وحقيقة لا اعرف بماذا تفهمت أمريكا هذه الخطوة (المباركة)... هل تصورت أمريكا إن قوات درع الخليج قادرة للوقوف ضد أي تحرك إيراني (متوقع) للدفاع عن المعارضين (الشيعة) لحكومة البحرين؟ من المؤكد أن أمريكا وكل المجتمع الدولي تعرف أن هذه القوة هي ليست بالمستوى التجهيزي والإعدادي اللازم تمكنها للقيام بهكذا خطوة . إذا دخول قوات درع الخليج هي للدفاع عن الحكومة البحرينية للحيلولة دون أي تغير سياسي محتمل في البحرين وهذه خطوة غير موفقة سياسيا لأنها دشنت لموضة سياسية جديدة وهي وقوف جيوش دول ضد مواطنين يتظاهرون سلميا فضلا عن أنها تزيد من التشنجات الطائفية الموجودة أصلا في المنطقة . أما في الموضوع الليبي فله شجون وشجون, فبعد مرور شهر كامل على بدء ثورة الشعب الليبي ضد نظام ألقذافي فإننا نرى الأممالمتحدة ومجلس الأمن ما زالوا يتشاورون ويتباحثون لاتخاذ موقف موحد ضد القتل اليومي الذي يتعرض إليه الشعب الليبي الأعزل من قبل كتائب ألقذافي , ناهيك عن موقف الجامعة العربية الذي لم يتعدى الشجب والتنديد و منع حضور أي وفد من الحكومة الليبية لحضور جلسات الجامعة العربية وتصريحات من قبل دول عربية بان الدول العربية سوف تشارك في أي عمل عسكري يقره المجتمع الدولي . كل المؤشرات تدل على أن أقصى ما سوف تصله ردود الأفعال الدولية ضد ألقذافي سوف تكون بإقامة حضر دولي جوي على كافة أنواع الطيران لسلاح الجو التابعة لقذافي , ومن المعروف إن إقامة مثل هكذا منطقة سوف لن تغير الموازين العسكرية لصالح الشعب الليبي لان كتائب ألقذافي وقواته البرية تتفوق عدة وعتادا على قوات الثوار حتى وان حيد سلاح الجو التابعة للقذافي , ولن تكون نتائج إقرار منطقة حضر جوي على ليبيا إلا إطالة فترة القتال الدموي بين الثوار والنظام الليبي مما يؤدي إلى إراقة المزيد من دماء الثوار والمدنيين العزل . ولا أدل على عدم نجاح هذا القرار ما صرح به سيف الإسلام ألقذافي عندما صرح بان الوقت تعدى مثل هكذا قرارمن مجلس الأمن. يظهر أن ردة فعل النظام العالمي الجديد لحماية حكومات دول المنطقة هي أسرع بكثير من ردة فعلها لحماية شعوب دول هذه المنطقة , وهنا يجب علينا أن نسال لماذا الدخول السريع لقوات برية من درع الخليج العربي وبمباركة أمريكية لا يحتاج إلى الكثير من المداولات ولماذا فكرة إقامة منطقة حظر جوي على النظام الليبي يحتاج لهذه المداولات الطويلة جدا؟ إن كانت هناك مصالح دولية معينه لبعض دول المجتمع الدولي مع نظام ألقذافي تمنع التوصل إلى اتخاذ قرار موحد من مجلس الأمن الدولي لصالح الشعب الليبي فبتصوري انه لا توجد مصالح بنفس القوة بين نظام القذافي وبين أي دولة عربية وخصوصا دول مجلس الخليج العربي التي لا تحتاج إلى بترول القذافي والتي تدافعت لحماية نظام الحكم في البحرين . ان دول مجلس التعاون الخليجي هذه مطالبة في جامعة الدول العربية بالدفع باتجاه اتخاذ قرار مماثل لما اقرته في مجلس دول التعاون الخليجي والتهديد بارسال قوات عسكرية عربية للدفاع عن الشعب الليبي وهنا اقول التهديد بارسال قوات وليس ارسالها لاننا على يقين انه الجيوش العربية لن تقوم بهكذا عمل ولكن لفتح المجال امام المجتمع الدولي لاقرار قرار مشابه , وإن مجلس الامن والأممالمتحدة مطالبين الآن لإقرار قوانين للوقوف ضد الحكومات التي تستخدم القمع والإرهاب ضد مواطنيها العزل الذين يأملون لغد أفضل لهم ولأجيالهم لكي لا تتكرر مأساة حلبجه ومأساة الشعب البحريني والليبي مرة أخرى .