خرج الشعب المصرى يوم 25 يناير 2011 تحت ريادة شبابها العظيم يطالب بالحرية والمساواة ومحاربة الفساد، وترجم الشعب هذه الشعارات فى ضرورة إسقاط النظام الذى بات على مدى الستين عاما الماضية يرسخ الديكتاتورية والقهر، ويعظم من سلطان الفرد على حساب سلطة الدولة والمؤسسات. استطاع النظام منذ منتصف القرن الماضى أن يقضى على جوهر الدولة الحديثة وحكم المؤسسات إلى أن أفقده الشعب شرعيته فى مطلع عام 2011.لقد خرج الشعب ليسقط هذا النظام، وقام بثورته التى أثمرت عن أول انتصاراتها يوم 11 فبراير 2011 حين تنحى الرئيس حسنى مبارك وسقط النظام، كانت هذه اللحظة أولى المعارك التى انتصر فيها شعب مصر فى حربه لبناء دولة حديثة تقوم على نظام ديمقراطى وتحكم بالمؤسسات وليس الأشخاص. نحن نعيش هذه الأيام فى نشوة الانتصار، ومن حقنا أن نفرح وأن ننتشى. لكن يجب أن ندرك وغالبيتنا يدرك أننا لم نكسب الحرب بعد. الحرب الحقيقية هى الحفاظ على كيان الدولة الحفاظ على الوطن وبنائه. جميعنا يدرك حساسية وجسامة هذه الحرب، وأغلبنا يعى أن الثورة فى مهدها ولا بديل عن الحفاظ عليها وإتمام انتصارها. منذ اليوم الثانى لانتصار الشعب فى معركته الأولى، بدأت مخالب الخطر تمتد لإجهاض النصر. بدأت مؤشرات انفلات الدولة بل وصل الأمر إلى شبه الشلل فى أغلب قطاعات الدولة. لقد قام العديد من فئات الشعب بممارسة حقه فى الاعتصام والمطالبة بحقوقه بعد طول انتظار. ولكن أن تتجاوز المصلحة الشخصية والمشروعة فى كثير من الأحيان مصلحة الوطن، فهذا هو الانهيار الحقيقى. لقد هب الشعب المصرى للقضاء على حكم الفرد وإعلاء دولة المؤسسات ونحن اليوم فى مواجهة ذات المخاطر ولكن على أيدى قطاعات من شعبنا العظيم ذاته. إن الشباب الذى قاد ثورة التحرير عليه الآن أن يقود ثورة البناء. عليه أن يتصدى لمن خرج ليجهض نصره سواء عن قصد أو بدون إدراك. شئنا أم أبينا نحن فى خضم أزمة انعدام ثقة بدأت فى التحول من فقدان الثقة بين الشعب والحاكم إلى فقدانها بين أطراف الشعب المصرى. وهذا نتاج طبيعى لنظام شمولى عشنا فيه قرابة القرن من الزمان. ولكن يبقى عنصر أصيل لم نفقد الثقة به ألا وهو شباب مصر، إذا كان هناك متحدث رسمى للدولة المصرية الآن فهو شبابنا صانع النصر وهو إن أراد يستطيع تأمين سلامة الوطن. الجيش المصرى كما قالها الجميع، وأقرتها المؤسسة العسكرية ذاتها، هو حامى مطالب هذا الشعب. هو ليس صانع هذا النصر، بل هو مثل الشعب المصرى بأكمله، وضع ثقته بشباب مصر العظيم ورمى بثقله وراءه. هذه الثقة تحمل شباب مصر مسئولية أعمق وأخطر. مسئولية الريادة فى المرحلة القادمة. إن العصيان المدنى الذى يجتاح أركان مصر لا يمكن إيقافه بدون الشباب الواعى الذى قام فى 25 يناير ليسقط النظام. لا أحد يملك سلاحه الذى اثبت الشباب أنه أقوى من الذخيرة وأنفذ من البطش. هذا السلاح لابد أن يجند من جديد فى مسيرات مليونية سلمية شعارها الحفاظ على الوطن وبناء الدولة. لقد قام الشباب والشعب من خلفه بتقديم البديل فى 25 يناير ،هذا البديل الذى اختاره الشعب لن يتحقق إذا سقط الوطن. لقد أخذ شباب مصر على عاتقه مسئولية مراقبة تفعيل مطالبه الشرعية على الصعيد السياسى والتشريعى. الآن، لا بد له أن ينطلق لضمان تماسك البنية التحتية والاقتصادية والاجتماعية لهذا البلد لحين تفعيل الإصلاحات التى نادى بها الشعب فى ثورته. لذلك لا مفر من إعلاء الشأن العام على الخاص فى الفترة الانتقالية التى سلمت فيها مقاليد الحكم للمؤسسة العسكرية. هذا الإعلاء يتحقق عن طريق مطلب وآليات تفعيل وضمان. المطلب أن يقرر الشعب ذاته إيقاف جميع الاعتصامات المدنية والفئوية التى تضر بسير العمل وعجلة الاقتصاد وتهدد سلامة الوطن وأمنه خلال الفترة الانتقالية. أما آليات التفعيل، فإذا ارتأت فئات بعينها إعلاء الشأن الخاص قبل الانتهاء من الفترة الانتقالية مع اعترافنا بمشروعية طلباتها فإن شعب مصر يعلن أنه سوف يقوم بسد هذه الفجوة مؤقتا لتسيير شئون البلاد. لقد فعلها شباب مصر حين اختفت الشرطة من شوارعه واستطاع أن يحل محل قطاع قارب المليون ونصف نسمة ونجح فى تأمين حياة وأموال شعبه. ليس بالكثير أن يقوم الشعب بملء الفراغ الحالى الذى يشل الوطن فى أغلب قطاعاته. هناك على الأقل عشرون ألف طبيب يستطيعون التطوع لتسيير الخدمات الطبية فى البلاد. ومثلهم لسد فجوة العمال المعتصمين ومثلهم مهندسون وسائقون وزراع. اللجان الشعبية التى تشكلت لحماية ممتلكات وأرواح المصريين لا بد اليوم أن تقوم بتنظيم نفسها لسد الفجوات فى قطاعات الدولة المختلفة. حتى إذا استطاع الشباب سد هذه الفجوة بنسبة 30%، فهذا أسلم للوطن من الشلل الكلى الذى يهدده. وأنا على يقين أننا لو قدمنا من جهدنا وعملنا فى سبيل هذا الوطن سوف ينضم كل معتصم لمسيرة البناء الآن، ويحتفظ بحقه فى المطالبة بحقوقه حين يكون الوطن على أرض صلبة. لقد لفظ الشعب المصرى شعار الاستقرار والأمن مقابل الحرية والذى نادى به النظام الذى أسقطه، الآن لابد لنا أن نتكاتف لوقف الفوضى والشلل الخدمى والإنتاجى بإعلاء شعار العمل والبناء. قام جيش مصر بتحمل مسئولية عظيمة فى وقت شديد الحساسية. لقد وقفت القوات المسلحة المصرية إلى جانب شعبها وضمنت له الانتقال السلمى للسلطة وأمنت له فرصة الإصلاح المؤسسى وبناء دولة حديثة. دعونا لا نثقل على من أوكلناه حماية مطالبنا وثورتنا. إن الشلل الذى يهدد أغلب قطاعات المجتمع المصرى اليوم قد يؤدى بالقوات المسلحة لإعلان الأحكام العرفية للتصدى لمثل هذه المخاطر الجسيمة. فدعونا نكمل مسئوليتنا تجاه هذا البلد الكريم ونكمل ما بدأناه. إن الدعوة التى أطلقت فى الشارع المصرى لقيام مظاهرات مليونية كل جمعة لمتابعة تلبية مطالب الشعب لا بد أن تكون أيضا سلاح الشعب فى الحفاظ على مكاسبه والدعوة إلى إتمامها. شعارنا فى هذه الآونة لا بد أن يكون الوطن أولا. البناء أولا. أما الضمانة فهى شباب مصر. إن شباب مصر هو الوحيد القادر على إقناع فئاته المتضررة والمعتصمة بتأجيل مطالبها الفورية لبضعة أشهر حتى يسترد الوطن سلامته. وإذا تعذر هذا وألحت المصالح الخاصة الفورية، فعلى شباب مصر ورجالها الذين حافظوا على البلد منذ 28 يناير مع انسحاب قوات الأمن أن يأمنوا سير القطاعات الخدمية والإنتاجية حتى لا نخسر الحرب فى نشوة الانتصار بالمعركة.