في ندوة خصَّصها مركز الحوار العربي في واشنطن لمناقشة أزمات العالم العربي، وما إذا كان عام 2011 سيشهَد تسويات لها أمْ مزيدا من الأزمات؟.. وصف الدكتور كلوفيس مقصود، السفير السابق للجامعة العربية في الأممالمتحدة ورئيس مركز دراسات عالم الجنوب بالجامعة الأمريكية في واشنطن، الانتفاضة الشعبية التونسية: "أنها تشكِّل المرة الأولى في التاريخ العربي، التي أجبَر فيها الشارع العربي حاكِما عربيا مستبِدّا على التنحِّي عن الحُكم ومغادرة البلاد". تحريك المياه العربية الرّاكدة وأعرب الدكتور كلوفيس مقصود -في حديثه في ندوة مركز الحوار في واشنطن- عن اعتقاده بأن ما وصفه بالمخاض في تونس، يشكِّل أكبر مفاجأة للنظام العربي في العام الجديد، وأنه يُرسل رسالة واضحة للحكَّام العرب، بأن الشارع العربي قد يكون في غَفْوة، ولكنه ليس في غَفلة، وأنه آن الأوان للجامعة العربية أن تتحرّر من كونها جامعة الحكومات التي تهمِّش المجتمعات المدنية وتتحوّل إلى جهاز قادِر على منح منظمات المجتمع المدني في الدول العربية شرعِية المشاركة في صناعة القرارات المصيرية، وسدّ الفجوة القائمة بين الحكومات العربية والشعوب العربية. ويرى الدكتور مقصود أن العام الجديد لم يأتِ فقط بالانتفاضة التونسية التاريخية، وإنما جاء بظواهر مبشِّرة أخرى تتمثَّل في بداية التنسيق بين منظمات المجتمع المدني العربية في مجالات حقوق الإنسان وحماية البيئة والاتحادات النسائية وغيرها، مما يخلق تيارا عربيا جديدا، تُوحِّده الرغبة الشعبية في الارتقاء بالمجتمعات العربية، التي رحَّبت على المستوى الشعبي بما حدث في تونس، واعتبرته تحريكا حقيقيا للمياه العربية الراكدة. وقال الدكتور مقصود: "ما حدث في تونس، نُقطة مُضيئة في الظلام العربي، ونأمل أن تكون الانتِفاضة التونسية بداية لعملية تصحيح كُلية للنظام العربي واختزالا للمُعاناة المتواصلة لشعوب عربية أخرى ما زالت تئِنّ تحت وطْأة الفساد والاستِبداد وفقدان الحقوق السياسية والمدنية، والافتقار إلى مقوِّمات الديمقراطية. لقد تضافَر أبناء الشعب التونسي مع منظمات المجتمع المدني والاتحادات النقابية ليُفجِّروا مفاجأة العام الجديد في العالم العربي، لتُصبِح تونس مِثالا تحتذيه الشعوب العربية في نِضالها، من أجل المساواة والشفافية ومكافحة البطالة والفقر وسوء توزيع الثروة، بسبب فساد السلطة". وأعرب السفير السابق للجامعة العربية عن الأسف لسقوط قتلى وجرحى في غِمار الانتفاضة التونسية، ولكنه قال إن مَن استُشهِدوا زرَعوا بُذور الوعْي الجماهيري العربي لمُقاومة الظُّلم والفساد، وعجَّلوا ببداية استِرجاع الشعوب العربية للبَوْصلة التي تحدِّد توجّه النضال الاجتماعي والسياسي من أجل الحصول على الحقوق الاقتصادية والسياسية والمدنية والإنسانية للشعوب العربية، وقدَّموا للأمة العربية في مستهَل العام الجديد، تعويضا عن الخسارة التي مُنِيت بها من جرّاء ممارسات عُنصرية وسياسات خاطِئة لنظام الحُكم في السودان، والتي تمخَّضت عن انسِلاخ الجنوب عن دولة السودان. مأساة التحوّل نحو الديمقراطية وتطرّق الدكتور كلوفيس مقصود في ندوة مركز الحوار، إلى حقيقة أن رياح التحوّل الديمقراطي التي هبَّت على العالم، لم تفلح في زحزحة حاكِم عربي واحد عن احتِكار السلطة، فقال إن الشعوب العربية تئِنّ من عدم تداوُل السلطة والافتقار إلى مقوِّمات الديمقراطية، بدْءا من المواطنة ومرورا بالقُدرة على المشاركة السياسية المفتوحة وانتهاءً بالانتخابات. وشدّد الدكتور مقصود على أن عدَم توفُّر مبدأ المواطنة، فتح الباب على مِصراعيْه أمام تعرّض الدول العربية لانقِسامات داخلية على خطوط طائفية أو قبلية أو عرقية، خاصة في العراق بين سُنّة وشيعة وعرب وأكراد ومسلمين ومسيحيين، ومصر بين مسلمين وأقباط، ولبنان بين عصبِياته الطائفية وتوازناته المذهبية، والسودان الذي انقسم على نفسه بسبب التمييز بين المواطنين في الشمال والجنوب وانغماسه في حروب عبثية، كان آخرها الصراع في دارفور. وردّا على سؤال ل swissinfo.ch عما إذا كان العام الجديد سيشهَد تحوّلا نحو الديمقراطية في العالم العربي، قال الدكتور كلوفيس مقصود: "من المُؤسف أن الأنظمة العربية تمرست في استِخدامات ماكرة لوسائل مشروعة في كبْح الديمقراطية. فالانتخابات التي يُفتَرض أن تعكِس إرادة الناخبين، تمّ تزويرها والدساتير التي تُقنِّن حقوق المواطن وأسُس الحُكم، قد تمّ تعديلها لتُستَخدم في تمديد فترات الرئاسة أو التمهيد لتوريث الحُكم، حتى في النظم الجمهورية، ولذلك، فعندما يحين موعِد انتخابات الرئاسة في مصر في سبتمبر من هذا العام، سيُدرك الجميع أنها لن تكون انتخابات تعدُّدية حقيقية، يتنافس فيها مرشَّحون عن أطياف سياسية ببرامج مختلفة، وإنما ستكون إما تمديدا للرئيس الحالي في ظل استخدام التعديلات الدستورية، في الحيلولة دون ترشّح منافسين أقوياء أو ستكون تمهيدا للتوريث وبالتالي، فإن ما سيحدُث في أكبر دولة عربية، هو تشويه لِما تَعنيه كلمة انتخابات وتحويل الناخبين إلى روح القطيع منزوع الإرادة". وحذّر الدكتور مقصود من أن إصرار الأنظِمة العربية على حجْب فُرص التّداوُل السِّلمي للسلطة واستِخدام التعديلات الدستورية في التمديد للحكّام أو التوريث لأبنائهم، سُرعان ما سيؤدِّي إلى فقدان الأمل وانتِهاج أسلوب الانتفاضة الشعبية على الطريقة التونسية. فلسطين والعراق وبينما كانت ندوة مركز الحوار تُناقش أزمات العالم العربي، وما إذا كان العام الجديد سيشهد تسويات لها أم مزيدا من الأزمات، كان السناتور جورج ميتشل، المبعوث الأمريكي الخاص إلى الشرق الأوسط، يُحاول تقريب وِجهات النظر حول قضايا الوضع النهائي في اجتماعيْن منفصليْن في مقَرّ وزارة الخارجية الأمريكية مع الدكتور صائب عريقات، كبير المفاوضين الفلسطينيين، وإسحق مولخو، المسؤول الإسرائيلي عن ملف المفاوضات مع الفلسطينيين. ولدى سؤال الدكتور كلوفيس مقصود عما إذا كان العام الجديد سيشهَد استِئنافا للمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، قال: "لم تكن هناك مفاوضات أصلا لكي يمكن استئنافها. فالمفاوضات تفترض وجود اتِّفاق على هدف ونتيجة ولم يتوفّر مثل ذلك الاتِّفاق، لأن إسرائيل من البداية لم تقِر بحقيقة أنها سلطة احتلال، وإنما أصرّت على أنها صاحبة أرض مُتنازع عليها واستعادت مِلكيتها، لذلك، تواصل الاستيطان بدون إبطاء وتهويد القدس بدون مواربة، لذلك، فنحن أمام حالة اغتِصاب لأرض فلسطين، ولسْنا بصدد التفاوض لإنهاء احتلال تمّ بالقوة". ويرى السفير السابق للجامعة العربية في الأممالمتحدة أن على العرب في العام الجديد أن يُعيدوا النظر في إستراتيجية التعامُل مع الصِّراع العربي الإسرائيلي، والإصرار على إخراجه من حالة المحادثات العبَثية المُزمنة إلى مفاوضات حقيقية تستنِد إلى المعادلة الصحيحة، التي تمثل فيها إسرائيل قوّة احتلال، ويمثِّل فيها الفلسطينيون شعبا محتلاّ مقاوِما، يُحاول استعادة حقوقه بالطُّرق السِّلمية، دون الارتهان إلى الولاياتالمتحدة وحدها، حيث إنها لا تسمح للفلسطينيين ولا للدول العربية باللُّجوء إلى مجلس الأمن وتهدِّدهم باستخدام حقّ الفيتو. وفيما سحبت الولاياتالمتحدة وحداتها القتالية من العراق، وواصلت القوات المتبقِية مهاما لمساعدة الحكومة العراقية على حِفظ الأمن والاستقرار وتحسين البنية التحتية، يرى الدكتور مقصود أن مستقبل العراق وفُرصته في الاحتفاظ بوِحدته، يتوقّف على ما إذا كانت الحكومة العراقية مستعدّة لتحويل العلاقات في المجتمع العراقي إلى علاقات مواطنة، تتوفّر فيها حقوق متساوية لكل المواطنين، بغضِّ النظر عن العِرق أو الدين أو المذهب أو العشيرة والقبيلة، وتترتب عليهم نفس الواجبات. فإن الوحدة الوطنية في العراق ستُصبح هشّة وتطيح بوحدة العراق كدولة، إذا ما استمر العمل بتكريس الانقسامات العِرقية والمذهبية والطائفية والقبلية .