سهام التطبيع طالت الجميع بلا تمييز وصارت كالرصاصات الطائشة فى الأفراح.. تطلق مرة بوطنية غاشمة وأخرى بمزايدة مفضوحة، وكل مرة بطريقه ومنطق مختلف.. ومؤخرا اشتعلت أزمة الفيلم الأمريكى «اللعبة العادلة» وشهدت كيلا للاتهامات ثم تراجعا سريعا ينم على حالة من الفوضى.. فالتطبيع أصبح كلمة سهلة يلقى بها فى أى وقت، بمناسبة وبدون، وهو ما دفع البعض للدعوة إلى تشكيل لجنة لتعريف التطبيع فى محاولة لكبح عربة التطبيع الطائشه التى قد تدهس الكثيرين بذنب حينا وبدون ذنب أحيانا. ممدوح الليثى، الذى شن هجوما حادا على فيلم «اللعبة العادلة» وقبله دعا إلى مقاطعة مهرجان «أبوظبى»، قال إن موقفنا من التطبيع هو موقف سعد الدين وهبة منذ 30 عاما.. وأنا أشعر أن الموضوع يحتاج إعادة نظر فليس من المعقول أن أرى كومبارس إسرائيلية وأقول تطبيع.. وكل الضجيج الذى حدث سببته معلومات مغلوطة. وأكد الليثى أننا بحاجة إلى إعادة نظر فى الأمر لتعريف التطبيع لذا قررنا تشكيل لجنة تحكم فى الأمر وتعريف الكلمة منعا للبس «لأن كل ما وصلنا من معلومات وتحركنا على أساسه كان للأسف معلومات خاطئة ولذلك أنا وافقت مدير الرقابة على قراره بعرض الفيلم». عن تعريف محدد لكلمة التطبيع، قالت الناقدة خيرية البشلاوى: هو التعامل مع اسرائيل بشكل طبيعى أو التعامل مع أى شىء فيه شبهة اسرائيل وهنا لا أقصد الفيلم الأمريكى لأننا نستهلكه طوال العمر ولا ينبغى أن نفرح ببعض الأفلام المناهضة للإدارة الأمريكية لأنها غسيل لعارهم ولضمائرهم وبيضحكوا علينا بيها. وأكدت البشلاوى أنها ترفض تماما ظهور أى ممثل مصرى بجانب آخر اسرائيلى وإن فعل فهذا شأنه، ومن حقنا انتقاده لأن على المثقفين أن يحافظوا على رسالتهم طوال الوقت فى مناهضة هذا الكيان البغيض. وضربت البشلاوى مثلا بعمر الشريف، وقالت إن عليه علامات استفهام كثيرة تقترن برحلة تمثيلة خارج مصر، كما علقت على دعوى عمرو واكد بمشاهدة الأفلام الإسرائيلية من قبيل معرفة العدو بأنها دعوى انتهازية لتحقيق مصالح شخصية وأكدت أنها تشاهد الأفلام الإسرائيلية فى المهرجانات وتشتريها على اسطوانات وتشاهدها ولكن دعوى واكد تحمل أغراضا دفينة!. وعندما سألناها لماذا كل هذا السخظ على هذه الممثلة فى فيلم اللعبة العادلة رغم مرور ممثلين إسرائيليين كثيرين فى أفلام أخرى وعلى رأسهم ناتالى بورتمان فقالت: ناتالى تأتى لنا من خلال فيلم أمريكى وعندما سألناها وما الفارق مع فيلم اللعبة العادلة والممثلة ليزار شارهى فعادت وأكدت أنها لو كانت رئيسة للرقابة لكانت منعت افلام ناتالى بورتمان كما تريد منع شارهى. وأكدت البشلاوى أن الموضوع متشابك ومعقد وأن الأفلام لا تأتى بجنسيات العاملين فيها للرقابة لذا صعب التحكم فى الأمر. البشلاوى، التى كانت من أشد المعارضين لموقف خالد النبوى، المشارك فى فيلم «اللعبة العادلة» أمام ممثلة إسرائيلية، قالت: طوال عمرنا نستقبل السينما الصهيونية فهوليوود مليئة بهم وتقذف علينا أفلامها طوال الوقت والتاريخ لا يسمح لنا بمعارضة هذا ولكن دائما الأمور تكون مختبئة وغير ظاهرة علنا ولم تكن بأن يظهر الممثل المصرى بجانب الاسرائيلى طوال الوقت فى مهرجان كان ممسكين بايدى بعضهم البعض. وتضيف البشلاوى: ما أغضبنى هو ادعاء النبوى أنه لم يكن يعرف جنسية الممثلة وهو غير صريح، وبالتالى فإذا كانت الأمور ستتم بهذه الطريقة فأنا أرفضها تماما.. وأنا حتى الآن لم أشاهد الفيلم لكن سلوك النبوى هو الذى أغضبنى لأن الممثلة الاسرائيلية أكدت أنه صديقها وعلاقتهما قوية. دعاية مجانية للفيلم أما الناقد يوسف شريف رزق الله فاختلف مع البشلاوى واعتبر كل ماحدث لم يكن ليحدث لو لم يكن النبوى هو أحد الأبطال ولم يكن لأحد لينتبه لولا هذا لأن هناك أفلاما عديدة مرت بأبطال اسرائيليين فى أفلام بجنسيات مختلفة ولم تنتبه الاجهزة التى علقت على هذا الفيلم لها مطلقا كأفلام ناتالى بورتمان مثلا، والأمر يعود فى النهاية لجنسية الفيلم والموضوع الذى يطرحه. وأضاف شريف أن الضجة مبالغ فيها جدا ومفتعلة إلى جانب أنها أكسبت الفيلم دعاية ضخمة جدا وهو الوحيد الرابح فيها، وأيد رزق الله دعوى الليثى إلى محاولة الاتفاق على صيغة تعريفية لكلمة تطبيع حتى يتوقف الجدل الذى لا معنى له. وسألنا رزق الله هل يجد غضاضة فى أن يقبل ممثلا مصريا عرضا لفيلم أمريكى أو فرنسى، ويجد ممثلا اسرائيليا يعمل معه فى نفس الفيلم فأجاب رزق الله: إذا كان دور المصرى مهما وكبيرا ولا يقتصر على دور هامشى لا أهمية له فلا أرى أى غضاضة فى هذا بل وأرى أن على الممثل دراسته وتقرير قبوله من رفضه لأهمية الدور لأن هذا طريق له لأفلام أخرى وهو فى النهاية يعمل ولن يصادق هذا الإسرائيلى.. وإذا فتش اى شخص فى قانون الرقابة لن يجد قانونا يمنع الممثل من التمثيل فى فيلم أمريكى يعمل به إسرائيلى. وكان رزق الله أحد الذين طالتهم اتهامات التطبيع يوما ما من جانب الناقد أمير العمرى فى كتابه «سينما الهلاك» باستضافة كرك دوجلاس فى برنامج تليفزيونى رغم أن اسمه كان موجودا ضمن قائمة المقاطعة التى وضعتها جامعة الدول العربية. ولكن رزق الله رفض هذا الاتهام، وقال: أول شىء أنا من اقترح عدة أسماء واخترتها بناء على الافلام التى نملكها لأنى كنت أعرض فيلما للممثل عقب الحديث وكان الفيلم وقتها «سبارتاكوس».. كما أننى لا أعتقد اطلاقا أن كرك دوجلاس كان على قائمة المقاطعة وقتها، ولو كنت أنا لا أعلم فكان معى بالاستوديو 4 ضيوف سينمائيين مصريين وكانوا ليذكروننى لو كنت لا أعلم هذا. وعقب رزق الله على الحديث قائلا العمرى أحد أصدقائى واليوم مسألة الارادة السياسية والانتماءات الفكرية صارت متشابكة وأنا لم أكن اصنع برنامجا سياسيا بل كان حديثنا فنيا بحتا، وضرب مثلا بسبيلبرج وقال هو أحد الداعمين لاسرائيل بشكل قوى جدا وتبرع لجامعاتهم بالأموال ولكن هل هذا يعنى مقاطعته؟.. أنا لا أعتقد أن هذا حل ويجب علينا استقطاب هؤلاء بشكل أو بآخر لأن منهم من يتعاطف مع قضيتنا أيضا. لا داعى للمزايدات أما الناقد أحمد رأفت بهجت، صاحب الكتابات المتعددة والثرية فى مجال السينما الاسرائيلية والصهيونية، فعلق قائلا: تلك المشكلة لا تمثل أى خطورة ولا قيمة لها تذكر فى التأثير، ولكن المشكلة فى الفيلم العالمى الذى يصبغ نفسه بصيغة العالمية وهو يعج بالافكار الصهيونية. وخاطب رأفت مطلقى اتهامات التطبيع وقال: مستعد ان أكتب لكم قوائم بأسماء الممثلين الإسرائيليين الذين يعملون فى أفلام خارج إسرائيل وعرضت لدينا وأيضا فنانون صهاينة وليسوا اسرائيليين، ولكن يجب النظر بطريقة أخرى، فالممثل المصرى عندما يحبو تجاه أى تجربة لا يستطيع أن يسأل قبل التوقيع عن جنسية العاملين ولا يملك القدرة أبدا وهذا الواقع ولابد أن نعترف به ولا نحمله أكثر من طاقته. وتابع: حتى إذا امتلك القدرة وسأل سيستبعد من أى فيلم بعد ذلك وإذا وقع وانسحب لن يقوى على الشرط الجزائى.. واذا كان العمل لا يتفق مع أفكارنا منذ البداية فلابد أن يتراجع الممثل لأنه لن يزيده أو ينقصه.. ولكن إذا كان الفيلم يضم إسرائيليا ولكن بموضوع جيد وقوى ويتفق مع أفكارنا وتوجهاتنا فلا داعى للمزايدات من أحد. وطرح بهجت حلا عمليا من وجهه نظره، فقال يمكن تشكيل مكتب من اتحاد النقابات الفنية يضم 3 مثقفين فى هذا الملف ويرجع اليه الممثل قبل اشتراكه فى أى فيلم لتساعده وترفع عنه الحرج وعندما سألناه هل يعد هذا نوعا من الوصاية أجاب لا أعتقد لأن المكتب سيساعده ويبعد عنه الشبهات. مفاهيم خاطئة للتطبيع ومن أصحاب الآراء القوية فى القضية يأتى الفنان محمد صبحى والذى بدأ من الموقف الأخير وقال إن ذلك لا يعد تطبيعا على الاطلاق والتهم ناتجة عن مفهوم خاطئ للتطبيع فحتى لو كانت ممثلة اسرائيلية فذلك لا يعنى شيئا.. وما يحدث هو نوع من المزايدة فالحساب يكون إذا الفنان شارك فى فيلم ضد أفكارنا فقط وليس بالجنسيات. ولكن فى نفس الوقت يرفض محمد صبحى تصريحات واكد بمشاهدة أفلام العدو لنعرفه كما يعرفونا، وقال: لسنا بحاجة لمشاهدتها.. فهم مزيفون ولا يجب ابدا أن تنتظر من قاتل درسا فى الفن أو فى الأخلاق. كما أكد صبحى أن السبب فى تراجع حال السينما لدينا وتقدمها فى إسرائيل بأن «أبونا السينمائى توفى وترك الإرث لأناس يعبثون به ويبعثرونه»، ونفى أن يكون الجميع كذلك ولكن النسبة الأغلب.. وتعجب صبحى من دعوة الانسحاب من المهرجانات التى تضم إسرائيليين. وقال إذا كانت أجنبية فهذا قصور أيضا فى فهم التطبيع لأننا لابد أن نزاحمهم ونحاول التفوق عليهم لأنه لا يهمنى أن يكون عدوى قويا بقدر ما يهمنى أن يحترمنى، ولن يأتى هذا الاحترام الا بالتفوق فى شتى المجالات منها بالطبع الفن. ومن الذين حضروا عدة مهرجانات ونافست أفلامهم مع أعمال إسرائيلية المخرج احمد رشوان والذى يقول التطبيع هو كلمة رسمية أكثر منها واقعية ولابد من التعامل بشكل عقلانى وإنسانى حتى لا تختلط الأمور.. فأنا لى عدة تجارب فى مهرجانات وجدت فيها اسرائيل وليس كل المخرجين يستحقون العداء. وتابع: على سبيل المثال فى مهرجان «كيب واين لانز» قابلت مخرجا اسرائيليا يدعى ياريف موزير وصنع فيلما بعنوان «حربى الأولى» يهاجم فيه الجيش الاسرائيلى وكيف كان عذابه لرؤية الأعمال الوحشية واللا إنسانية لجيش اسرائيل ويلقى الضوء على جنود آخرين بنفس الحالة.. وأنا لا أعتقد أن هذا يقل نضالا عن مخرجين فلسطينيين كبار من عرب 48 الذى يحاول البعض إلصاق التهم بهم أيضا رغم أنهم صنعوا بأفلامهم شهادات وتحفا فنية ضد العدو الصهيونى الذى نرفض جميعا التطبيع معه ولكن لابد من التعقل. دائرة التطبيع المفرغة نستطيع القول إننا صرنا فى أمس الحاجة لمناقشة ذلك السؤال المغرق فى البدائية وهو «ما تعريف التطبيع؟».. فلكل منا مقياسه وإذا طبقنا مقاييس مختلفة فنستطيع أن نحاكم أمير العمرى لأنه أجرى حوارا مع المخرج كلود لانزمان نشر فى كتاب «سينما الهلاك» رغم أنه حاوره ليهزمه وينتقم منه ولو بسكين النقاش، ولكنه بمقاييس البعض تعامل مع اسرائيلى حتى ولو بمبدأ اعرف عدوك الذى يرفضه البعض ويراه تطبيعا. وفى نفس الوقت اذا طبقنا مبدأ أمير العمرى فى اتهامه ليوسف رزق الله بالتطبيع عندما أجرى حوارا فنيا مع كرك دوجلاس الأمريكى الموالى لاسرائيل فسنحكم على الناقد سمير فريد بهذا أيضا لأنه أثنى على بول نيومان ورثاه فى مقال بعنوان «غياب أسطورة من هوليوود»، وقال إن نيومان اشترك فى فيلم «الخروج» لاوتو بريمنجر ووضع على قائمة المقاطعة العربية ولكن «هذا لا يحول دون الاعتراف بموهبته بالطبع». وسنحكم بالتطبيع على الليثى لأنه أنتج 3 أفلام لخالد الحجر الذى اتهم من قبل بالتطبيع فى مهرجان الاسماعيلية 1995 بعد فيلم «خليج بيننا» والذى يروى علاقة شاب بفتاة يهودية ويظهر فى أحد المشاهد يرتدى قبعة اليهود ليدخل مع حبيبته المقبرة وفى النهاية يفترقان بسبب الشعور بالحاجز، وهو الفيلم الذى أثار جدلا واسعا وصل إلى أن يقوم عميد معهد السينما وقتها بمحاولة منع الطلاب من حضور الفيلم وبهذا قد يكون الليثى هو الآخر متهما بعد أن كان يحاول منع الفيلم. وإذا كان عمرو واكد مطبعا لأنه يطالب بمشاهدة الأفلام الاسرائيلية فأمير العمرى كذلك حيث كشف أنه اتيحت له معلومات كبيرة عن السينما الصهيونية نتيجة إقامته فى انجلترا فتمكن من متابعة خط سير هذه السينما ومتابعة أفلامها، ورصدها فى كتاب من أهم الكتب التى تحدثت عن هذا الموضوع، وإن اتبعنا طريقة البعض فى المزايدات فنستطيع اتهامه بالتطبيع ولو لم نستطع فعمرو واكد برىء من التهمة إذن عندما نقول إنه كان حسن النية عند دعوته إلى مشاهدة الأفلام الإسرائيلية. وهكذا يمكن أن نرد السهام لأصحابها مطعّمة بمنطق آخرين ليصير الوسط السينمائى فى النهاية غابة من السهام الطائشة تصيب الكثيرين ومنهم من ذكرناهم مؤخرا وهم جميعا بعيدون عن مستوى شبهة التطبيع.. ولكنها سنة الاختلاف.