الحكومة تقرر مد فترة التصالح في مخالفات البناء 6 أشهر    هاني الجفري: بريكس تواصل جهودها لتنفيذ استراتيجياتها لتقليص هيمنة الدولار    مسيرات للاحتلال تستهدف خزانات المياه بمستشفى كمال عدوان    دون صلاح..القائمة النهائية لجائزة أفضل لاعب إفريقي عن موسم 2023/24    "البيتزا اتحرقت".. حريق داخل مطعم بفيصل    بالأحمر الناري ... درة تخطف الأنظار في حفل افتتاح مهرجان الجونة السينمائي    وقولوا للناس حسناً.. خالد الجندي يوضح أهمية الكلمة الطيبة في الحياة اليومية    الشيخ خالد الجندي: زيارة قبر الرسول تعزيزًا للإيمان وتجديد الولاء له    بروتوكول تعاون بين جامعة حلوان و"الصحفيين" لتقديم الخدمات الصحية لأعضاء النقابة    بنك مصر يرفع الفائدة على الودائع والحسابات الدولارية    أول ظهور لمحمود شاهين وزوجته بعد زفافهما في افتتاح الجونة السينمائي    بندوة علمية.. دار الكتب تحتفل بذكرى نصر أكتوبر    تشكيل روما الرسمي لمواجهة دينامو كييف في الدوري الأوروبي    شريف فتحي يؤكد عمق العلاقات الثنائية بين مصر وإيطاليا في مجال السياحة    السجن 6 سنوات لمتهم يتاجر في الترامادول    غادة عبدالرحيم تشارك في الجلسة الختامية لمؤتمر السكان والصحة والتنمية    الجريدة الرسمية تنشر قرار إنشاء صندوق مصر السيادي للاستثمار والتنمية    جوائز كاف - ثنائي الأهلي وزيزو يتنافسون على جائزة أفضل لاعب داخل القارة 2024    نهائي السوبر المصري.. محمد عبدالمنعم يوجه رسالة للاعبي الأهلي قبل مواجهة الزمالك    "حياة كريمة" تحذر من إعلانات ترويجية لمسابقات وجوائز نقدية خاصة بها    تعرف علي توصيات المؤتمر العالمى للسكان والصحة والتنمية    القبض علي منتحل صفة ضابط شرطة للنصب علي المواطنين بأوسيم    انقلاب سيارة نقل "تريلا" بطريق الإسماعيلية القاهرة الصحراوي    مدبولي يستقبل الشوربجي: نحرص على تذليل التحديات أمام المؤسسات الصحفية    نحو شمولية أكاديمية، أسبوع دمج ذوي الإعاقة في جامعة عين شمس    عارضة أزياء تتهم دونالد ترامب بالاعتداء عليها جنسيا    وزير الخارجية الأمريكي: ناقشت مع نظيري القطري إعادة الإعمار بقطاع غزة    عرض الحلقة الأخيرة من مسلسل برغم القانون ل إيمان العاصى الليلة على on    الاحتلال يشن غارة على موقع علمات جبيل جنوب لبنان    رئيس جامعة الأزهر يتفقد الإسكان الطلابي بدمياط    تقدم 3670 مشاركا للمنافسات المؤهلة لمسابقة بورسعيد الدولية للقرآن الكريم    البابا تواضروس يستقبل وزيري الثقافة والأوقاف.. تفاصيل التعاون المقبل    وزير الأوقاف: مصر تهتم بالمرأة في شتى مناحي الحياة    بث مباشر.. انطلاق الحفل الختامي للمؤتمر العالمي للسكان    مرسال عضو التحالف الوطني: 187 ألف حالة مسجلة على قوائمنا من الفئات الأولى بالرعاية خلال 10 سنوات    رئيس هيئة الدواء: مصر تطوي صفحة النواقص ومخزون وطني لتأمين أدوية الضغط    مولر عن خسارة البايرن برباعية ضد برشلونة: افتقدنا للثقة    انتهاء التوقيت الصيفي.. موعد وطريقة تغيير الساعة في مصر 2024    بوتافوجو يقسو على بينارول بخماسية ... اتلتيكو مينيرو يضع قدما بنهائي كوبا ليبرتادوريس بفوزه على ريفر بليت بثلاثية نظيفة    هالاند يسجل أغرب هدف قد تشاهده فى تاريخ دوري أبطال أوروبا    الابن العاق بالشرقية.. حرق مخزن والده لطرده من المنزل    "إيتيدا" و"القومى للاتصالات" يختتمان برنامج التدريب الصيفى 2024 لتأهيل الطلاب    الضربة الإسرائيلية لإيران.. أستاذ علوم سياسية تتوقع سيناريوهات المواجهة    توقعات برج الجوزاء في الأسبوع الأخير من أكتوبر 2024.. تجنب الأفكار السلبية وتقبل النصائح    المشدد 5 سنوات لعاطلين شرعا في قتل سائق "توك توك" وسرقته بالمطرية    ضبط عامل بالفيوم لقيامه بإدارة ورشة لتصنيع الألعاب النارية والإتجار فيها    الرئيس الصيني: سنعمل على انضمام دول أكثر من الجنوب العالمي ل«بريكس»    جامعة بني سويف تحتل المرتبة 11 محليًّا و1081 عالميًّا بتصنيف ليدن المفتوح    لمياء زايد: كنت أحلم بدخول دار الأوبرا.. فأصبحت رئيسة لها    اليوم.. افتتاح الدورة السابعة من مهرجان الجونة بحضور نجوم الفن    الطقس اليوم.. استمرار الرياح على البلاد وأمطار تضرب هذه المناطق بعد ساعات    سيميوني: ركلة جزاء غير صحيحة منحت ليل الفوز على أتلتيكو    عباس صابر يبحث مع رئيس بتروجت مطالب العاملين بالشركة    سول تصف قوات كوريا الشمالية في روسيا بالمرتزقة    القوات المسلحة تحتفل بتخريج دفعات جديدة في المعاهد الصحية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 24 أكتوبر 2024 في المنيا    بدائل الشبكة الذهب للمقبلين على الزواج.. خيارات مشروعة لتيسير الزواج    أول إجراء من الزمالك ضد مؤسسات إعلامية بسبب أزمة الإمارات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



على هامش المسألة التونسية
نشر في الشروق الجديد يوم 19 - 01 - 2011

فى خطابه الأخير إلى الشعب التونسى المناضل قال الرئيس التونسى السابق زين الدين بن على «الأحداث الأخيرة أعمال قلة من المناوئين المأجورين الذين يغيظهم نجاح تونس بل يسيئهم ويحير نفوسهم ما تحقق لها من تقدم ونماء». ولم يمض على ذلك أربعة وعشرون ساعة حتى كانت طائرته تجوب الفضاء من أجل هبوط إلى الأرض بعد أن هبط عن كرسى الرئاسة.
ذكرتنى تلك العبارة بعبارة أطلقها الرئيس السابق أنور السادات منذ 34 عاما، فى يناير (أيضا) 1977 حينما وصف الانتفاضة التى وقعت إثر رفع مفاجئ فى أسعار بعض أساسيات الحياة، بأنها انتفاضة حرامية، وكان أدق فى اختيار توصيف القلة التى دعت للتظاهرات بأنهم «شرذمة» يحركها أعداء النظام من الشيوعيين. وقد كان من السهل التراجع عن قرارات رفع الأسعار المتسببة فى الانتفاضة، وهو ما نراه يحدث فى أماكن عديدة من الوطن العربى هذه الأيام، الجزائر وموريتانيا وليبيا فى المغرب، والأردن ومصر فى المشرق.
الاستثناء الوحيد هو السودان، حيث إن هذه القرارات صدرت فى خضم كارثة أكبر، وهى تمزق السودان شر ممزق.
على أن وجه الغرابة فى مقولة زين العابدين هو الإشارة إلى أن المحرضين ساءهم وحير نفوسهم ما حققته تونس فى عهده السعيد من تقدم ونماء. وذكرنى هذا بمقالات عز وشركائه عن الإنجازات الرقمية التى زلزلت أركان التخلف وحققت أخيرا ما وعد السادات بتحقيقه من رخاء فى الثمانينيات. فماذا حققت الدولتان من تنمية فى العقدين الأخيرين اللذين انفرد فيهما زين العابدين بحكم تونس؟ نبدأ بمقياس التنمية البشرية الذى كما نعلم يعبر عنه دليل يضم الدخل للفرد كمقياس للنمو الاقتصادى، وتوقع الحياة كمؤشر لسلامة البدن، والتحصيل العلمى كمؤشر على قدرة الإسهام الفكرى. ووفق تقديرات تقرير البرنامج الإنمائى للأمم المتحدة عن التنمية البشرية لعام 2010، فإن تونس شغلت الموقع الحادى والثمانين من بين 169 دولة (بعد استبعاد 15 دولة لم تتوافر عنها بيانات، منها خمس دول عربية!!) بدليل للتنمية البشرية (أقصاه الواحد الصحيح) يبلغ 0.683، بينما شغلت مصر الموقع الواحد بعد المائة بدليل يبلغ 0.620 وهو ما وضع تونس بين الدول المرتفعة التنمية البشرية، بينما وقعت مصر ضمن المجموعة متوسطة التنمية البشرية. ولو رجعنا إلى تقرير 1990 لوجدنا أنه من بين 130 دولة جاءت تونس فى الموقع الواحد والسبعين بدليل (مصحح) 0.662، بينما مصر فى الموقع السادس والثمانين بدليل (مصحح) يبلغ 0.575.
أى أن كلتا الدولتين تراجع موقعهما بينما زادت الفجوة بينهما، من 15 رتبة إلى 20. وجاء هذا بعد تغيير فى أداء الدولتين، حيث كان دليل تونس 0.289 مقابل 0.333 لمصر فى 1960، إلى أن انعكس الوضع فى 1975 بسبب تحقيق تونس قفزة كبيرة فى النصف الأول من السبعينيات بينما تباطأ نمو مصر بسبب الحرب وتوابعها.
وتظهر مقارنة مؤشر الدخل أن متوسط دخل الفرد وفق القوة الشرائية فى 1990 كان فى تونس يعادل 172% من مستواه مصر، وتراجعت هذه النسبة فى 2010 إلى 136%. وبينما بلغ معدل نمو الناتج المحلى للفرد 3.2% لمصر، 1.3% لتونس خلال الفترة 1975 1990، تراجع خلال الفترة 1990 2005 فى مصر إلى 2.8% بمتوسط 3.2% للعقود الثلاثة، بينما تقدم فى تونس إلى 3.3% بمتوسط 2.3%.
غير أن المقارنات بالدول المماثلة لكل من القطرين فى مستوى التنمية البشرية تظهر واقعا لافتا للنظر. فقد كان الدخل التونسى يفوق الدول المناظرة بنسبة 30% فى 1990، والمصرى 35%، فإذا بهاتين النسبتين تقفزان فى 2005 إلى 44%، 50% على التوالى. وبينما كان مؤشر توقع الحياة قريبا من النظراء مع تحسن طفيف عبر الزمن، فإن العنصر الذى عادل التفوق فى الدخل كان هو دليل التعليم. فبينما كان 69% من نظراء تونس فى 1990، و72% فى مصر، فإنه لم يتجاوز 88% لتونس و86% لمصر فى 2005. والواقع أن ظاهرة كون الدولة أغنى من نظرائها وأجهل منهم فى الوقت نفسه، لازمت غالبية الدول العربية مهما كان مستوى الدخل، وهى من أخطر الأمور فى الوطن العربى فى عصر تحتل فيه المعرفة موقع القيادة من عملية التنمية. على أن الأمر يزداد خطورة بالنسبة لمصر نظرا لأن نسبة الأمية فى 2010 تبلغ 34%، مقابل 22% لتونس.
بالمقابل فإن نسبة الذين اجتازوا مرحلة التعليم الثانوى فى 2010 تقتصر على 23% لتونس و36 لمصر. والغريب أن قمة المعلومات اختارت تونس موقعا لمرحلتها الثانية فى 2005 بعد مرحلتها الأولى فى جنيف. وتشغل تونس الموقع 65 بين 130 دولة فى دليل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وفق تقرير المعرفة العربى 2009، مقابل 93 لمصر، بينما يأتى ترتيبهما فى اقتصاد المعرفة 72 و83 على التوالى. وتتفوق عليهما عدة دول عربية فى مقدمتها البحرين وقطر والكويت.
وقد أكد تقرير التنمية البشرية 2010 أن الدول المتوسطة والمنخفضة التنمية تعانى من تباين واضح بين النمو الاقتصادى والتنمية البشرية بمكونيها الإنسانيين. وبناء عليه رأى ألا يكتفى بقياس الفقر بمجرد النقص فى الدخل، بل يجب النظر إليه كفقر متعدد الأبعاد، بمعنى الانخفاض الشديد فيما يحصل عليه الفرد فى كل من الأبعاد الثلاثة: مستوى المعيشة والتعليم والصحة. وخلال العقد الأول للألفية كانت نسبة السكان الذين يعيشون فى فقر متعدد الأبعاد فى تونس 2.8% بدرجة حرمان 37%، بينما بلغت لمصر 6.4% بدرجة حرمان 40.4%. وهناك نسبة أخرى معرضة لخطر الوقوع فى هذا الفقر تبلغ 4.9% فى تونس و6.9% فى مصر. والأخطر أن نسب الذين يعيشون أحد أوجه الفقر تبلغ 1% للتعليم، و13% للصحة، و7% لمستوى المعيشة فى تونس، بينما تبلغ هذه النسب فى مصر 18%، 17%، 1% على التوالى. ومع ذلك تظل هذه النسب أفضل منها فى تركيا (15، 16، 7%) حيث يعيش فى فقر متعدد 8.5%، ويتعرض له 19%.
فإذا نظرنا فى أمر التوظيف وجدنا أن نسبته إلى السكان (15-64 سنة) كانت 40.5% فى 1991، فأصبحت 41% فى 2008 فى تونس، مقابل 42.6% ثم 43.2 فى مصر. وقد جاء تقرير التنمية البشرية خاليا من بيانات البطالة للبلدين. على أن نشرة آفاق الاقتصاد العالمى لصندوق النقد الدولى (أكتوبر 2010) تقدر ارتفاع البطالة فى تونس من 12.6% من جملة قوة العمل فى 2008 إلى 13.2% فى 2010 ثم تقدر انخفاضها بمقدار 0.05% بعد ذلك، بينما تقدر ارتفاعها لمصر من 8.1% فى 2008 إلى 9.2% فى 2010 ثم تقدر انخفاضها بمقدار 0.2% سنويا بعد ذلك. والواقع أن هذه التقديرات المستمدة من مصادر رسمية أدنى مما تورده مصادر مستقلة، حيث يقدر أنها تجاوزت الضعف فى تونس وهو ما يفسر حجم الجماهير التى نزلت إلى الشارع.
إن الحديث عما يسمى نموا اقتصاديا، يروج له الصندوق والبنك الدوليان، يتجاهل ما اتفق المشتغلون بالتنمية على اعتباره تنمية بشرية فعلية. وفى البلدين يسود القمع وتغيب الشفافية التى لابد من التزامها فى ظل نظم تتخفى وراء اسم الديمقراطية، وإلا فإن المشاكل تطرح نفسها فى الشارع.
ووداعا زين العابدين وأمثالك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.