لم يكن عام 2010 سعيدا على منتجى المنسوجات، حيث شهدت أسعار الأقطان عالميا ارتفاعات كبيرة ونقص فى المعروض فى السوق متأثرة بتراجع الصادرات الهندية والباكستانية بسبب الفيضانات التى اجتاحت بلادهم، ولم يكن القطن المصرى مستعدا لسد الفجوة التى خلفتها تلك الأزمة الدولية، حيث يعيش هو الآخر أزمة تاريخية ناتجة عن عزوف المزارعين عن زراعته على مدار العقود الماضية لأسباب تتعلق بظروف الانتاج المحلية، علاوة على عدم اعتماد المصنعين المصريين عليه بسبب ارتفاع أسعاره. وتجمعت كل تلك الأزمات على مصانع الغزول المصرية، الأمر الذى أدى بمحسن الجيلانى، رئيس القابضة للمنسوجات، لطرح امكانية اللجوء الى بيع مصانع المحلة إذا لم تتدخل الحكومة لحل المشكلة، بحسب ما نشرته تقارير صحفية نقلا عن إحدى جلسات مجلس الشورى الأسبوع الماضى. والواقع أن ارتفاع أسعار الأقطان العالمية جاء على نحو مفاجئ، حتى لوزير الزراعة نفسه، بحسب تصريحات صحفية له. ويقدر محمد القليوبى، الرئيس السابق لغرفة صناعة النسيج، أن أسعار الأقطان العالمية ارتفعت بنحو 120% خلال 2010 «بالرغم من أن الإنتاج العالمى ارتفع بنحو 13% إلا أن السوق العالمية شهدت نقصا فى المعروض مدفوعا بقوة الطلب من الصين وزيادة المضاربات مع التوقعات بمزيد من الزيادة فى أسعاره». وفى مقابل ذلك طالب قطاع المنسوجات بفتح أسواق جديدة لاستيراد الأقطان، حيث تحدد الدولة أسواقا بعينها للاستيراد تضمن عدم انتقال أمراض مع محاصيلها القطنية، ونقلت الصحف عن الجيلانى أن بعض مصانع الشركة القابضة قد تعاقدات على استيراد 20 ألف طن من القطن من بوركينافاسو وبنّين بعد السماح بالاستيراد منها. كما سمحت وزارة الزراعة بالاستيراد من مدينة ممفيس بالولاياتالمتحدةالأمريكية، تبعا للقليوبى. فيما ينتظر القطاع موافقة وزارة الزراعة على الاستيراد من أسواق افريقية أخرى، من ضمنها إثيوبيا وموزمبيق وزامبيا، وذلك بعد سفر لجان فحص القطن إلى تلك الدول. يأتى ذلك فى الوقت الذى كشفت فيه آخر البيانات عن المساحة المزروعة للقطن بمصر عن تراجع كبير فى مساحاتها، حيث بلغت تلك المساحة 313 ألف فدان فى موسم 2008/2009 وهو ما قدره تقرير للجنة الصناعة والطاقة تمت مناقشته العام الماضى فى مجلس الشورى بأنه أقل مستوى من 150 عاما، ولا غرابة فى هذا التقدير، فخلال الفترة منذ العشرينيات وحتى الستينيات كان متوسط المساحة المزروعة من القطن فى مصر 1.7 مليون فدان باستثناء فترة الحرب العالمية الثانية، تبعا لتقرير الاتجاهات الاقتصادية الاستراتيجية لعام 2010. وبدأت تلك المساحة تميل للانخفاض منذ حقبة السبعينيات، وهو نفس العقد الذى شهد بداية استيراد مصر للقطن، حيث استوردت مصر هذه السلعة الاستراتيجية لأول مرة فى موسم 1976 1977، وبدأ الاستيراد من الولاياتالمتحدة، ثم تم الاتجاه لأسواق السودان واليونان وسوريا. ويرجع المحللون هذا التراجع فى انتاج القطن المصرى الى عدة عوامل منها ارتفاع تكاليف الانتاج كالتقاوى والاسمدة وارتفاع أسعار الأراضى مع تحرير العلاقة بين المالك والمستأجر فى التسعينيات علاوة على انسحاب الدولة من عملية تسويق القطن وعدم وجود سعر للضمان مشجع لحد ادنى لسعر توريد الأقطان، إلا أن البعض يرى أن تلك الأزمة تنطوى على الفرج، حيث يتوقع أن يجتذب هذا الارتفاع غير المتوقع فى أسعار الأقطان العالمية المزراعين للتوسع فى زراعته. «أعتقد أن المساحة المزروعة سترتفع فى الموسم القادم الذى سينتهى فى ديسمبر 2011 إلى 400 أو 450 ألف فدان مع ارتفاع الأسعار العالمية» برأى القليوبى، إلا أنه يشير الى أن صناعة المنسوجات المصرية لن تستطيع الاعتماد على الأقطان المصرية بسبب اقتصاره على الأقطان طويلة التيلة مرتفعة السعر «نحتاج الى التوسع فى زراعة الأقطان متوسطة التيلة وزراعتها بمساحات كبيرة وحصادها آليا لكى تباع بأسعار أرخص».