الوزارة لديها مخطط طويل المدى بخصخصة الخدمات الطبية في البلاد. مستوي جودة الخدمة الصحية الحكومية في مصر متدني ومعيب, ولكنه لا يستفيض كثيرا في وصف هذه الحالة المتدهورة، بل ينتقل سريعا إلي تشخيص الأسباب ووضع الحلول, قائلا أن حديث الكثير من المسئولين عن انهيار مستوي الخدمة الصحية في مصر هدفه إقناع الرأي العام أن هذا القطاع فاشل و"حلال فيه البيع". المشكلة الرئيسية في الصحة في مصر هي الجودة، إلا أن أدبيات البنك الدولي تري أن الجودة لا تتحقق إلا من خلال التنافس الرأسمالي, وبالتالي فالحل الأمثل هو الخصخصة. تبنت الحكومة المصرية اتجاه البنك الدولي بالفعل, والذي اتهم القطاع العام في مصر بالفشل وتقديم خدمات سيئة, مقابل القطاع الخاص الذي يقدم خدمات رفيعة المستوي. اتخذت وزارة الصحة خطوة واضحة في تنفيذ سياسات البنك الدولي حين وقع وزير الصحة الأسبق عبد العزيز سلام اتفاقية "إعادة هيكلة النظام الصحي بمصر," مع البنك الدولي, وبموجب الاتفاقية حصلت مصر علي مبلغ 300 مليون دولار من الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي. خطورة هذا المشروع, أنه يدعو وزارة الصحة للتوقف عن تقديم الخدمات الصحية وأن يقدمها القطاع الخاص حصريا, باستثناء التطعيمات الإجبارية وخدمة الإسعاف في حوادث الطرق. يشير د. خليل إلي دراسة أستاذ جامعة جورج تاون الأمريكية, د. جاري فيلرمان, المعنونة "الابتكار في تقديم الخدمات الصحية, تحويل مستشفيات القطاع العام إلي شركات", كأحد الدراسات الهامة التي تؤيد وتشرح سياسات البنك الدولي التي يتم تطبيقها في مصر. تقول الدراسة إن سياسة الخصخصة يجب أن تطبق علي ثلاثة مراحل. الأولي هي أن يقوم مدير كل مستشفي بإدراتها بشكل لا مركزي للتخفيف من القيود البيروقراطية, والثانية أن تتحول المستشفي إلي شركة هادفة للربح, ثم المرحلة الثالثة هي البيع. هذه السياسات لها جوانب شديدة السلبية علي الخدمية الصحية للمواطنين، فالتأمين الصحي الذي يتهمه البنك الدولي بالفشل يقوم, علي سبيل المثال, بإجراء أكثر من 600 عملية لزرع المفاصل سنويا, لذلك تشترى هيئة التأمين الصحى كميات كبيرة من هذه المفاصل سنويا، مما يتيح لها توفير المفاصل بثمن رخيص من خلال المناقصات العامة. أما أن يتم إدارة المستشفيات بشكل مركزي, فهو يفقدها هذه الميزة ويرفع من كلفة شراء الموارد الطبية لتساوي كلفة القطاع الخاص. تحويل المؤسسات غير الهادفة للربح إلي شركات تسعى للربح, سيدمر أهم الصروح الطبية في مصر, والمثال على ذلك هو معهد القلب. تبرعات المواطنين لمعهد القلب أكبر من الفلوس التي يعطيها له الحكومة, فالمعهد الذي يعتبر أكبر مستشفي لجراحات القلب والقسطرة في الشرق الأوسط يحصل علي أكثر من 14 مليون جنيه من تبرعات المواطنين, في حين أن نصيبه من ميزانية الصحة 12 مليون جنيه فقط. طبعا لو تم تحويل مثل هذه المؤسسة لشركة هادفة للربح, سيفقد واحدا من أكبر مصادر تمويله. ويضرب د. خليل مثالا آخر على فشل المؤسسات الصحية الخاصة في تقديم الخدمة المناسبة، من الولايات لمتحدة، التى تخصص أضخم ميزانية للصحة على الكوكب، وتقدم واحد من أسوأ الخدمات للمواطن. الدول الغربية مستفيدة من هذه السياسات, لأن سياسة البنك الدولي تساوي بين فرص القطاع العام المحلي والدولي, مما سيسمح للمستثمرين من كافة أنحاء العالم بالاستثمار في مجال الخدمات الصحية في مصر. هذه السياسية غير مطبقة سوي في الولاياتالمتحدةالأمريكية فقط, والنتيجة أن النظام الصحي بالولاياتالمتحدة من الأسوأ في العالم, حيث أن الولاياتالمتحدة تحتل المرتبة 32 بين دول العالم في كفاءة نظامها في التأمين الصحي, رغم أن ميزانية الصحة هناك تزيد على مليارى دولار. لجنة السياسات بالحزب الوطني أعطت دفعة كبيرة لاتجاه الخصخصة في مصر, وذلك لأن الإرادة السياسية للدولة, في رأيه, تري أن خصخصة الصحة متسقة مع سياستها العامة في خصخصة كافة الخدمات والانسياق وراء وجهة النظر الأمريكية, دون اعتبار لآراء الاقتصاديين الأوروبيين في خصوصية الصحة كحق غير قابل لمعاملته معاملة السلعة. يرفض د. خليل أيضا فكرة خصخصة التأمين الصحى، ويعتبر أن تفكير وزارتي الصحة والمالية بهذا الشأن فاشل وردئ. التصريحات المتكررة لوزير الصحة د. حاتم الجبلي حول تعديلات مستقبلية لنظام التأمين الصحي المصري, بحيث يغطي التأمين خدمات صحية أساسية يستثني منها بعض العلاجات المكلفة مثل الغسيل الكلوي، تنص علي أن يشتري المواطن "وثائق تأمينية متعددة" تغطي الأمراض التي يتوقف التأمين الصحي عن علاجها. ويفسر د. الجبلي رأيه في إحدي تصريحاته قائلا أن القطاع الخاص يقود التنمية في مصر, وهو مؤهل لتقديم 70% علي الأقل من الخدمات من القطاع الصحي. من المفترض أن تسعي الحكومة لمساعدة المرضي في تكلفة العلاج غالي الثمن, فهذا هو الهدف الأصلي من التأمين الصحي, إلا أن تصريحات الوزير حول استثناء الفشل الكلوي من التأمين الصحي هي نموذج قوي لكيفية تفكير الوزارة كمستثمر يحاول أن يتخلص من العمليات المكلفة حتي لا يتحمل عبئها, في حين أنه من المفترض أن تسعي الوزارة سعيا لتحمل تلك التكلفة وتخليص المواطن المصري منها, عقلية المستثمر تختلف عن عقلية الحريص علي صحة المصريين. الأمر ذاته يظهر في تصريحات يوسف بطرس غالي, وزير المالية, في أبريل الماضي, وهو أن متوسط تكلفة التأمين علي المواطن المصري تبلغ 450 جنيها مصريا. وبما أن عدد المؤمن عليهم في مصر يزيد عددهم عن 30 مليون مواطن, فإن تكلفة المؤمن عليهم في مصر تتراوح بين 80 و150 مليار جنيه مصري. وقال غالي أن قانون التأمين الصحي الجديد لن يتم إقراره حتي يتحدد كيفية تمويل التأمين الصحى. بعكس ما تشير إليه أرقام المالية وتصريحات الصحة, فإن د.خليل يؤكد أن التأمين الصحي يحقق فائضا يتراوح بين 100 و 200 مليون جنيه سنويا. نصف المصريين متأمين عليهم فعلا ب2 مليار جنيه، إضافة إلي 2.5 مليار للحالات الحرجة والعلاج علي نفقة الدولة. ومضاعفة ميزانية القطاع العام إلي 10 مليارات جنيه كافية تماما لحل كافة مشكلات جودة التأمين الصحي, بدلا من بيعه، وهو رقم لا يزيد عن عشر المبلغ الذي قدرته وزارة المالية. أهم أسباب تدهور الخدمة الصحية في مصر هو تدني أجور الأطباء الحكوميين، و الأجر المناسب هو الذى يرفع من كفاءة العمل. هيكل الإداريين والأطباء في القطاع العام سيئ ومترهل, وبيستخدم في التشهير بمستوي الخدمة في مصر كلها.