بقبوله تسوية ضريبية مع الجمهوريين الذين عززوا مواقعهم، دشن باراك اوباما باسم الواقعية السياسية عصرا جديدا في رئاسته، لكن ليس من دون إثارة غضب بعض حلفائه الذين رأوا في ذلك إنكارا لوعوده الانتخابية. وحتى قبل تسلم الكونجرس الجديد مهامه، كان رئيس الولاياتالمتحدة على علم بهزيمة حلفائه الديموقراطيين في الانتخابات التشريعية التي جرت في الثاني من نوفمبر عندما أعلن، الاثنين الماضي، اتفاقا يمدد العمل بالتخفيضات الضريبية التي تقررت في عهد سلفه جورج بوش، والتي طاولت الفئات الأكثر ثراء خلافا لتعهداته السابقة. واتجه البيت الأبيض فورا إلى الهجوم بهدف ابتلاع هذه الجرعة المرة بالنسبة إلى الديموقراطيين؛ الأمر الذي لم يمنع مجموعته في مجلس النواب من الدخول في حالة تمرد مفتوحة. وكرر أوباما، اليوم السبت، نداءه إلى الكونجرس للمصادقة على التسوية الضريبية، مؤكدا أنه يرفض معاملة أبناء الطبقة الوسطى الأميركيين بوصفهم "أحجار لعب". وقال أوباما في كلمته الأسبوعية: "أقر بأن عددًا من أصدقائي من أعضاء حزبي ليسوا مرتاحين بالنسبة إلى بعض النقاط في هذا الاتفاق، وخصوصا الإعفاءات الضريبية المؤقتة للأغنياء، وأنا أشاطرهم قلقهم". وأضاف: "بديهي أنه على المدى البعيد، وأنه إذا أردنا تحقيق التوازن في الميزانية، لا يمكننا السماح بمثل هذه الهدايا الضريبية للأكثر ثراء، وخصوصا عندما نعرف أن خفض العجز يتطلب تضحيات من الجميع". وأضاف: "ولكن في الوقت نفسه لا يمكن أن نسمح بمحاصرة الطبقة الوسطى. الناس تريد منا إيجاد حلول، وليس تسجيل نقاط، ولن أسمح بأن تعامل عائلات الطبقة الوسطى مثل أحجار على رقعة اللعب، لذلك أدعو أعضاء الحزبين إلى المصادقة على هذه الخطة، وأنا واثق أنهم سيفعلون الصواب من خلال تقوية الطبقة الوسطى وإنعاش اقتصادنا". وكان أوباما قد أعلن أن هذا التمديد في التخفيضات الضريبية سينتهي في العام 2012؛ ما سيغذي نقاشات حملة الانتخابات الرئاسية المقبلة. وقال أيضا أنه حصل في المقابل على تمديد العمل بتعويضات البطالة حتى نهاية 2011، وغيرها من المساعدات للطبقة المتوسطة. وأعلن أوباما، أمس الجمعة، "في النهاية، يتعين أن يتحرك الجميع بطريقة مسؤولة، ولا يفكرون بالمعركة السياسية في الكونجرس، وإنما بالعائلات التي تتساءل في أوج فصل الأعياد عما إذا كانت ستقبض التعويضات"، مبديا تفاؤله بشان مصير الاتفاق في الكونجرس. وعلى العكس، فإن ضرائب كل الأميركيين التي ستتم جبايتها من مصادرها، ستزداد تلقائيا في الاول من يناير. وقد انتهى العمل بتعويضات البطالة القديمة من جهتها في نهاية نوفمبر. وبعد تأكيده طيلة أشهر أن التخفيضات الضريبية على الأميركيين الأكثر ثراء ستؤدي إلى تعميق العجز في الموازنة، أعاد البيت الأبيض صياغة رسالته: "العجز سيكون أكبر على المدى القصير، وإنما أقل على المدى الطويل"، كما رأى لورانس سامرز أبرز مستشاري أوباما الأربعاء. من جهته، دافع الرئيس الأسبق بيل كلينتون الذي اكتسب خبرة التعامل مع معارضة جمهورية في موقف قوي إبان ولايته، عن الفكرة القائلة بأن "هذا الاتفاق في كليته هو الأفضل الذي يمكننا التوصل إليه مع الطرفين". وشدد كلينتون قائلا: "إنه برأيي مشروع قانون جيد، وآمل أن يدعمه أصدقائي الديموقراطيون"، في حين حذر سامرز من مخاطر حقيقية "في حال الفشل، في رؤية الاقتصاد يتدهور ويعود" إلى الانكماش. وفي الشكل، فإن أوباما لم يغير بالضرورة خطابه حيال الجمهوريين فور إبرام الاتفاق، متهما إياهم بأخذ الطبقة المتوسطة "رهينة"، ومؤكدا أنه تساهل بهدف "تفادي جرح الرهائن"، وهي كلمات قوية ترمي إلى تهدئة قاعدته. لكنه حذر أيضا حلفاءه من رفض تسويات ضرورية للحكم، ومن التعنت الذي لن يكون في صالح الأميركيين. واعتبر توماس مان من معهد بروكينجز أن "أوباما رجل من اليسار الواقعي". وقد طلب الرئيس أمورا كثيرة من الديموقراطيين طيلة عامين، لكن "تغيير موقفه خلال الدورة البرلمانية لنهاية العام يشكل تصحيحا حيال الواقع"، كما أعلن هذا الخبير في العلوم السياسية. وأضاف أن "أوباما لم يتخل عن أهداف" ولايته الرئاسية. أما بالنسبة إلى ديفيد بروكز، كاتب الافتتاحية في نيويورك تايمز، الذي اعتبر هو أيضا أن أوباما عرف كيف يلعب أوراقه بطريقة جيدة، فإن "استياء" النواب الديموقراطيين يدل على "شعورهم بأن سلطتهم تفلت من أيديهم".