من الطبيعى عندما نتعرض لحدث ضخم مثل اقتراع الفيفا على اختيار البلد المنظم لكأس العالم، يجب أن يأخذنا الكلام إلى اتجاهين.. الأول عرض ملفات الدول المرشحة، والمقارنة فيما بينها وفقا لما تحمله من نقاط قوة وضعف. والثانى يشدنا تجاه سيناريو التصويت المحتمل والملابسات التى تحيط بأصوات الناخبين من أعضاء اللجنة التنفيذية بالفيفا. قلت أن هذا هو الطبيعى.. لكن للأسف فان الواقع الذى يحكم الفيفا اليوم لم يعد طبيعيا على الاطلاق. ففى الوقت الذى أصبحت فيه كلمة «الشفافية» هى أكثر الكلمات ترددا داخل جدران بيت كرة القدم فى زيوريخ، نجد أن هذه المؤسسة العريقة التى تقود شئون أهم لعبة رياضية فى العالم هى أبعد ما تكون عن الشفافية بعد أن عصفت بصورتها شبهات الفساد وتسلط الرئيس وخنوع أعضاء هيئتها القيادية للأهواء والمصالح الشخصية. عوامل تفضيل دولة على أخرى لم تعد لها علاقة بالملفات ولا بالامكانيات.. وإنما صارت مقرونة أكثر من أى وقت مضى بنقاط الضعف فى نفوس أعضاء اللجنة التنفيذية.. حتى باتت مقولة «أن لكل رجل ثمنا .. ولكل عرض مقابلا» واقعا يحكم امبراطورية الفيفا! الفيفا يطرح على العالم مناقصتين لتنظيم بطولتين لكأس العالم دفعة واحدة وفى يوم واحد، فى سابقة تاريخية لا مبرر لها سوى أن رئيس الفيفا جوزيف بلاتر البالغ من العمر 74 عاما وأعضاء لجنته التنفيذية من المخضرمين خوليو جرندونا 79 عاما وعيسى حياتو 64 عاما وجاك وارنر 67 عاما ونيكولاس ليوز 82 عاما وتشاك بلايزر 66 عاما قرروا ان يبيعوا زمنهم وزمن غيرهم. فالمزاد يجرى فى آن واحد على مونديالى 2018 و2022. من المفترض أن تتم المفاضلة واختيار الملف الأمثل على ضوء المعايير التى ذكرناها.. فهل سيتم ذلك؟! للأسف.. ومن خلال خبرتنا الطويلة بالفيفا ومتابعتنا عن كثب للاقتراعات المماثلة التى تمت خلال العقدين الماضيين، نجيب ب«لا» كبيرة! فالملفات المقدمة ما هى إلا واجهة محترمة لاعتبارات أخرى غير محترمة تحدد وجهة صوت عضو الفيفا! الملفات من الناحية النظرية هى المعيار الأول والأوحد للاختيار.. لكن من الناحية العملية فان المعيار تحول إلى معايير يمكن ايجازها فى التالى بترتيب الأهمية: 1 المال والمصالح الشخصية. 2 العلاقات الدولية. 3 جودة الملفات. بالطبع العامل الأول غير شرعى ولا يشمل كل أعضاء اللجة التنفيذية لكنه كان العامل الحاسم على الأقل فى تحديد آخر ثلاث بطولات كأس العالم كوريا واليابان 2002 وألمانيا 2006 وجنوب أفريقيا 2010. وسيكون بلاشك أكثر حسما فى تحديد المونديالين المقبلين 2018 و2022. وربما أصدق دلالة تؤكد ما نقول إلى أنه ولأول مرة فى تاريخ الفيفا ستصوت اللجنة التنفيذية وهى منقوصة.. فأعضاؤها ال24 لن يصوتوا بأكملهم.. بعد أن تم ايقاف اثنين منهم الشهر الماضى فى فضيحة بيع صوتيهما فى مزاد الذمم الخربة وهما النيجيرى أدامو والهاييتى تيمارى.. والقرائن المتوافرة اليوم وقبل 48 ساعة من التصويت وتقترب إلى درجة الأدلة تشير إلى أن هناك أصواتا أخرى تم شراؤها لكن لم يتم اثباتها رسميا. وما يؤكد ذلك اتصال هاتفى تلقيته مساء الأحد من مصدر رسمى مقرب جدا من أحد أعضاء اللجنة التنفيذية المخضرمين أكد لى أنه كان شاهد عيان على حصول هذا العضو على مبلغ مليونى دولار من إحدى الدول المرشحة لتنظيم إحدى البطولتين.. ولن أحدد البطولة حتى لا ألقى بالشبهات على دولة بعينها.. علما بأن هذا المصدر المسئول لم يخب له خبرا معى على مدار سنوات طويلة عرفته فيها مصدرا لأخبار أخرى ثبت صدقها كلها. أيضا سيكون للعلاقات الدولية دورها فى تحديد وجهة بعض أعضاء الفيفا. ومنذ أيام قليلة طلب الكاميرونى عيسى حياتو نائب رئيس الفيفا، رئيس الاتحاد الأفريقى من إحدى الشركات الأمريكية التى تتولى رعاية الملف الأمريكى لمونديال 2022 أن تستقبله فى الولاياتالمتحدة دون أن يفصح لها عن سبب طلبه للزيارة. وبالفعل توجه حياتو إلى الولاياتالمتحدة وهناك طلب من المسئولين عن الملف الأمريكى لقاء الرئيس باراك أوباما! وبالفعل كان له ما أراد، حيث أقلته طائرة خاصة إلى الرئيس الذى اجتمع به. إلى هنا انتهى الخبر.. أما ماذا طلب حياتو من الرئيس.. فالله أعلم! وفى إطار تحركات أعضاء اللجنة التنفيذية الدؤوبة قبل عملية التصويت توجه التريندادى جاك وارنر نائب رئيس الفيفا إلى لندن للقاء رئيس الوزراء البريطانى جيمس كاميرون والذى تترشح بلده لاستضافة مونديال 2018.. وذلك فى طريق وارنر إلى زيوريخ.. أيضا إلى هنا انتهى الخبر.. لكن ماذا طلب وارنر فى دواننج ستريت.. فالله أعلم!