على الرغم من تعمد إسرائيل إعلان قرارها إرجاء الحوار الاستراتيجى السنوى مع بريطانيا خلال زيارة وزير خارجية الأخيرة لرام الله وتل أبيب، أحجمت لندن عن توجيه أى انتقاد للقرار الذى جاء احتجاجا على قانون بريطانى يسمح باستصدار مذكرات اعتقال بحق المسئولين الإسرائيليين الزائرين المشتبه فى ارتكابهم جرائم حرب، بل وجدد متحدث حكومى بريطانى اعتزام حكومته تعديل هذا القانون «الذى لا يخدم العدالة». المتحدث مارتن داى قال ل«الشروق»: إن القانون الحالى «يتيح لأى مواطن الذهاب لأى محكمة فى بريطانيا للحصول على مذكرة اعتقال بحق أى سياسى يزور بريطانيا بدون تقديم أدلة كافية لضمان محاكمة عادلة». على حد قوله. داى كشف النقاب عن أن التعديل المقترح يرمى لمنح «المسئول عن الادعاء العام فى بريطانيا الحق فى اتخاذ قرار بشأن ما إذا كانت هناك أدلة كافية لضمان إجراء محاكمة ناجحة أم لا»، معتبرا أن مثل هذا التعديل لا يعنى حدوث «أى تغير فى موقف الحكومة البريطانية فى مسألة ملاحقة مجرمى الحرب». وأضاف أن الموقف البريطانى: «واضح وثابت (ويتمثل فى أنه) يجب تقديم مجرمى الحرب إلى العدالة، ولكن المشكلة هى كيفية تحقيق هذا الهدف الجليل. الآن توجد إمكانية لاستغلال القوانين لأغراض سياسية على أساس أدلة غير كافية، وتعديل القانون يستهدف الحيلولة دون حدوث ذلك». وأشار إلى أن التعديلات المقترحة ستعرض على أعضاء مجلسى العموم واللوردات للتصويت عليها بالقبول أو بالرفض «ولكن الحكومة مقتنعة بضرورة إدخالها. لأن القوانين البريطانية بحاجة إلى تعديلات فى هذا الخصوص.. نظرا لأن هذه التعديلات تصب فى صالح المصالح البريطانية وتصب فى صالح العدالة». قرار إسرائيل إرجاء الحوار الاستراتيجى، الذى يُعقد على مستوى المندوبين ويتناول قضايا أمنية وعسكرية، أعقب اضطرار نائب رئيس الوزراء الإسرائيلى دان مريدور لإلغاء زيارة كان من المقرر أن يقوم بها إلى لندن، بعدما تلقى «نصائح» من مصادر بريطانية وإسرائيلية رفيعة بعدم القدوم فى ضوء إمكانية استصدار النشطاء المؤيدين للفلسطينيين مذكرة اعتقال بحقه بتهمة ارتكاب جرائم حرب على خلفية دوره فى عملية التصدى الدموية لسفن أسطول الحرية لغزة نهاية مايو الماضى، والتى أدت لمقتل تسعة من نشطاء القافلة، حيث كان آنذاك عضوا فى مجلس وزارى مصغر أقر استخدام القوة ضد القافلة. ودفع إعلان القرار فى اليوم الأول من زيارة وزير الخارجية البريطانى وليام هيج إلى إسرائيل والأراضى الفلسطينية المحتلة بعض المحللين لاعتباره بمثابة «صفعة دبلوماسية» لبريطانيا، لكن المتحدث باسم الحكومة البريطانية حرص فى تصريحاته على تأكيد أن بلاده لا تنظر إلى الأمر من هذه الزاوية، ورفض التعليق فى الوقت ذاته على التوقيت الذى اختارته إسرائيل لإعلان قرارها، معتبرا أنه «من الأفضل طرح هذا السؤال على الحكومة الإسرائيلية». مارتن داى أقر بأنه لم يتم بعد «تحديد موعد للجولة المقبلة للحوار الاستراتيجى بين بريطانيا وإسرائيل» غير أنه أردف بالقول: «إننا متمسكون بعقد المزيد من هذه الاجتماعات مع الجانب الإسرائيلى». مشيرا إلى أن «الحوار مع الحكومة الإسرائيلية مستمر ووزير الخارجية أجرى محادثات مع كبار المسئولين الفلسطينيين والإسرائيليين» خلال زيارته الأخيرة إلى المنطقة. وفيما بدا محاولة لتأكيد أن التعديلات القانونية المقترحة غير مدفوعة بضغوط إسرائيلية، قال المتحدث البريطانى «هذه المسألة لا تخص إسرائيل فقط» مشيرا فى هذا الصدد إلى أن «محاولات فاشلة كانت قد جرت لاستصدار مذكرات توقيف بحق الدبلوماسى الأمريكى المخضرم هنرى كيسنجر عام 2002 وكذلك مع وزير التجارة الصينى عام 2006». غير أن داى اعترف بأن الحكومة الإسرائيلية أثارت القضية مع حكومته «وهذا ليس سرا». ولطالما طالب مسئولون إسرائيليون بريطانيا بتغيير القوانين التى تسمح بملاحقة الزوار الأجانب المتهمين بارتكاب جرائم حرب، خصوصا بعدما اضطرت وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبى ليفنى، زعيمة حزب كاديما المعارض حاليا، لإلغاء زيارة كانت مقررة للندن أواخر العام الماضى خشية التعرض للاعتقال. وقبل أسابيع كشفت مصادر بريطانية مطلعة ل «الشروق» أن حكومة ديفيد كاميرون تقوم ب«تحركات قانونية تستهدف إصدار تشريعات برلمانية (لتعديل القانون الخاص بملاحقة مجرمى الحرب من الأجانب) دون أن يتعارض ذلك مع القوانين البريطانية والأوروبية»، ولكنها قالت إن نجاح مثل هذه التحركات «لن يكون سهلا». وتلقى التحركات الحكومية معارضة شرسة من قبل ناشطين بريطانيين يعتبرون أنها «ستوجه رسالة خاطئة فيما يتعلق بمدى التزام بريطانيا بملاحقة مجرمى الحرب».