فى الجزء الثانى من حواره مع «الشروق»، يكمل الدكتور إبراهيم بدران وزير الصحة الأسبق حديثه عن قضية العلاج على نفقة الدولة والاتهامات التى لاحقت وزير المالية يوسف بطرس غالى بإهدار المال العام، كما يتحدث عن كيفية استخراج رؤساء الوزراء قرارات العلاج على نفقة الدولة، وعن سبب انتشار الرشاوى فى وزارة الصحة كما يوضح حدود المسموح للإعلام بالنشر عن صحة الرئيس بصفته كان مستشارا جراحيا للرئيس عبدالناصر. وفيما يلى نص الحوار: • ما رأيك فيما نسب لوزير المالية يوسف بطرس غالى عن إهداره المال العام فى جولة سياحية قضاها خلال رحلته للعلاج على نفقة الدولة؟ وزير المالية الحالى لا تربطنى به علاقة وطيدة، ولكن العملية التى أجراها لا تجرى إلا فى المستشفى الذى أجرى به تلك العملية بأمريكا، وشخص واحد فقط الذى يستطيع إجراؤها على مستوى العالم، ووزير المالية «عينه اتمأأت» فى خدمة مصر، فهل نستخسر فيه أن ينقذ عينيه بدلا من أن يصاب بالعمى ويسير على عكاز؟. والرجل لم يكلف الدولة فى تلك العملية سوى مليون جنيه فقط. • هل تقبل بفكرة أن يرد المسئول قيمة الأموال التى ثبت إهداره لها أم تطالب بمعاقبته جنائيا؟ لو ثبت فعلا أن الوزير أو المسئول أهدر أموال العلاج على نفقة الدولة فى «الفسح و الكلام الفاضى» أو وضعها فى حسابه بالبنك فيجب أن نقلع عينه، ولا نقبل فكرة أن يرد الأموال فقط، بل يجب أن يعاقب ويرد تلك الأموال أيضا. • كيف يستخرج رئيس الوزراء قرارات العلاج لنفسه؟ رئيس الوزراء بالذات لم يحدث فى تاريخ مصر أن تم علاجه على نفقة الدولة، لأنهم جميعهم تم اختيارهم من طبقة كريمة الكريمة، ولم يحدث أن عولج أحدهم على نفقة الدولة، وللعلم أحد رؤساء وزراء مصر السابقين معاشه كان 210 جنيهات، والحمد لله مات لأنه لم يتحمل أن يستمر فى تلك الحياة الضنك، وكان من أشرف من أنجبتهم مصر على مر التاريخ وقضى حياته فى خدمة الناس ولم يتزوج ولم ينجب، واتصل بى فى التليفون قبل وفاته بأربعة أشهر وقال لى يا إبراهيم أنا أعرف أن آمال عثمان، وزيرة الشئون الاجتماعية صديقتك، فأرجوك أن تقول لها إن معاشى ينتهى يوم 10 فى الشهر ولا أعرف كيف أقضى بقية أيام الشهر، وأرجو أن تطلب منها رفع معاشى، وللأسف الشديد كانت آمال عثمان ترافق زوجها فى رحلة علاج بإنجلترا، ففكرت أن أبيع أى شىء لأرسل له أموالا خوفا من أن يقدم على الانتحار، لأنه رجل ذو كرامة ولديه عزة نفس، ولكن ربنا أكرمه وتوفى قبل أن ينتحر، ولما مرض فى نهاية حياته لجأ إلى جامعة الإسكندرية فأرسلته للعلاج فى لندن على حساب الدولة، وأعطته الحكومة 1500 دولار للعلاج على أن تتكفل بها وزارة الصحة، وهو وصل المستشفى ليلا وتوفى فى الصباح وسرق منه المبلغ، وحينما حضرت جثته فى صندوق لمصر رفضت الحكومة تسليم جثته لأهله إلا بعد أن يقوموا بسداد ال1500 دولار التى سرقت من جثته فى لندن، ولأن الدكتور عاطف صدقى كان حاضرا و«شتم» المسئولين وأهانهم وقال لهم «اختشوا» هذا كان رئيس وزراء، والدولة كانت تحاول علاجه على حسابها وتوفى هناك وتمت سرقته هناك، فهذا المبلغ تتحمله الدولة وهذا حقه عليها. • هل يطلب من الوزراء والمسئولين مستندات تدل على مرضهم؟ طبعا، فمن يتم علاجه على نفقة الدولة لابد أن يقول للدولة ما المرض الذى يعانى منه ويثبت هذا بالمستندات. • ما تقييمك لأداء شركات الأدوية فى مصر؟ تلك الشركات تغالى جدا فى أسعار الدواء.. وبلا مبرر. • ما تقييمك لجودة الأدوية التى تنتجها تلك الشركات؟ الجودة عالية جدا لأن هيئة الرقابة الدوائية لا تتهاون، ولكن صناعات بير السلم هى التى تنتج أدوية فاسدة أما الشركات الكبرى فلا تغامر بسمعتها وباسمها وإلا ما بقى أى شخص حيا حتى الآن فى مصر. • كيف تتحكم الدولة فى سعر الأدوية وما هى الإجراءات القانونية لحماية السلع الدوائية من الاحتكار؟ ألا تخضع لقرارات البنك الدولى، لأن البنك الدولى يجبرك على تحرير الأسعار وتقليل الجمارك. • ما رأيك فى قرار وزير الصحة بتحرير سعر الدواء وربطه بالسعر العالمى وعدم التزام الوزير بحكم القضاء الإدارى بإلغاء هذا القرار؟ كنت ضد هذا القرار وغير راضٍ عنه ولكن هو مرغم على ذلك لأن هذه هى قرارات البنك الدولى الذى قال له لابد أن تتساوى أسعارك مع السعر العالمى، وللعلم برغم ذلك وبرغم قرارات البنك الدولى فإن الأمريكان يذهبون إلى كندا لشراء الدواء الرخيص والفقراء منهم يذهبون إلى المكسيك، لأن سعر الدواء فى كندا نصف سعره فى أمريكا، وسعره فى المكسيك عشر سعره فى أمريكا. • كيف تفسر قرار وزير الصحة مؤخرا بخفض سعر 50 دواء؟ جهد طيب يستحق الشكر عليه، وطبعا هذا القرار سيغضب أصحاب مصانع الأدوية ولكن المريض المصرى يستحق الخدمة. • ما ملاحظاتك على قانون زراعة الأعضاء الذى أقر مؤخرا؟ لابد له من منظومة متكاملة، والقانون سيقضى على تجارة الأعضاء لأنه شدد العقوبة على مرتكبى تلك الجريمة. • ما تعليقك على استيراد الصحة لدم من شركات قطاع خاص؟ لا عيب فى ذلك طالما أن تلك المصانع والشركات تحصّل التراخيص المطلوبة وعليها رقابة شديدة. • انتقدت قانون التأمين الصحى على الطلاب فى مصر قائلا إن «الذى يبدأ أعرج ينتهى أعرج» لماذا؟ التأمين بدأ فى مصر عام 1961 بالإسكندرية وكان «ملموما»، واستمر حتى الثمانينيات إلى أن جاء وزير صحة وأدخل 17 مليون تلميذ مرة واحدة فى التأمين الصحى من سن 4 سنوات حتى سن ال25 سنة، بدون إعطاء التأمين الميزانية اللازمة لتحمل تكاليف علاج هذه الكتل البشرية، فكان هذا خطأ، وأرجو فى المرحلة المقبلة قبل أن تتسع مظلة التأمين الصحى لتشمل ال80 مليون مصرى،أن تكون مؤهلات الخدمة وتمويلها مدروسا ومحكوما حتى لا نقع فى مثل هذا الخطأ. • قلت «إنه لا يوجد مبرر أن يتم صرف 24 ألف جنيه على حقنة لمريض السرطان لتطيل عمره ستة أشهر فقط».. فهل معنى هذا أن نتركه ليموت؟ أنا أقصد أن المريض القادر يتحمل هو تكلفة هذه الحقنة، والدولة تتحمل فقط ثمن تلك الحقنة بالنسبة للمريض الفقير، وهناك قول معروف عالميا بأنه إذا أردت أن تضيف حياة فعليك أن تضيف حياة سعيدة منتجة ولا تضيف حياة بائسة مؤلمة بالعلاج الذى تقدمه، ومن ثم فهناك حالات مرضية ميئوس منها وإذا تكلفت الدولة ثمن علاجها فيصبح هذا موتا وخراب ديار. • هل معنى هذا أن الحكومة تفعل الصواب بإلقائها المرضى من محدودى الدخل فى الشارع وتقول إنه لا يوجد مكان لعلاجهم؟ المقصود من هذا أن الدولة يجب أن تعطى أحسن ما يمكنها وليس أحسن الممكن، لأنه إذا أرادت الدولة أن تعطى أحسن الممكن فهى سيطلب منها أن تعطى مثل ما تعطيه أغنى دولة فى العالم ونحن ليس لدينا نفس الإمكانيات، أما حكاية أن الحكومة تلقى بالمرضى محدودى الدخل فى الشارع فهذا قد يحدث لأن علاج الفقير ذهب إلى الفساد. • لماذا تشتهر مصر بأنها بلد مرضى الفشل الكلوى؟ الفشل الكلوى موجود فى العالم النامى كله، وسرطان الكبد كذلك، ولكن المصيبة أننا نعلن عنه ونظهر سوءاتنا للناس كلها، وحينما كنت رئيسا لجامعة القاهرة هددت أحد الأساتذة بالقتل لأنه كان يريد أن يعلن فى مؤتمر طبى عالمى أن 80% من طلاب كلية الحقوق بجامعة القاهرة مصابون بالإيدز، فهناك من يسعى للحصول على زبائن لعيادته فيطلق تصريحات تهد البلد، فحينما أقول إن 80 % من طلبة كلية الحقوق مصابون بالإيدز أصبح مجرما، لأن معظم حالات الإيدز التى ظهرت فى مصر كانت لأجانب أو مشترك فيها منحرفون مصريون مع أجانب. • يردد البعض أن عمر المريض بالفشل الكلوى فى مصر عامان وفى الخارج 30 سنة.. لماذا؟ من يقول هذا كاذب، فالمريض المهمل هو الذى يموت مبكرا بينما المريض المنتظم على الغسيل الذى يتردد على مستشفيات محترمة يعيش 30 سنة على الأقل وهو مريض بالكلى. • هل معدلات المرض فى مصر مقارنة بالمعدلات العالمية؟ نحن أفضل من ناس كثيرة، بدليل أن متوسط عمر الإنسان المصرى فى تزايد، فحينما كنت وزيرا للصحة كان معدل الوفيات فى الأطفال 169 طفلا من كل ألف طفل فى مصر أصبح الآن معدل الوفيات 29 طفلا من كل ألف طفل وكل هذا بفضل تطور مهنة الطب فى مصر. • قلت إن أعرق مستشفيات مصر بنيت بأموال الأوقاف والتبرعات.. فهل معنى هذا أن الحكومة لم تبن أى مستشفى عريق من ميزانية الدولة؟ لا فمستشفى قصر العينى ومستشفى عين شمس بنتهما الحكومة واستدانت مليارات الجنيهات من أجل بنائهما وما زالت تدفع فى ديونهما حتى الآن. • فى ظل ارتفاع أسعار اللحوم والخضراوات هل تتوقع عودة مرض السل؟ السل عاد إلى مصر بسبب نقص البروتين وارتفاع أسعار اللحوم والفراخ والأسماك، صحيح أن نسبة السل قليلة حاليا إلا أن النسبة ستزداد والحكومة لابد أن توجد حلا لتلك المشكلة و«الناس لازم تاكل لحمة»، ومستوردو اللحوم بدلا من أن يصبحوا بليونيرات يكفيهم أن يصبحوا مليونيرات. • كنت مستشارا جراحيا للرئيس عبدالناصر فهل كان يزعجه أن يعرف الناس شيئا عن حالته الصحية؟ لا إطلاقا، فهو كان مريضا بالسكر والناس كلها كانت تعرف ذلك. والعالم كله كان يكتب عنه وعن مرضه وأنه يعيش على أكل الجبنة والبقسماط، فالرئيس عبد الناصر أصيب بالسكر من مصر ومن هموم مصر والمنطقة العربية، فمصر موتت عبدالناصر وقتلت السادات وحافظ عليها مبارك. • إذن ما رأيك فيما يقال إن النشر عن مرض الرئيس يؤثر سلبا فى الاقتصاد المصرى؟ كل هذه افتراءات لان كل شخص يمرض وكل شخص يموت وليس هناك ما يدعو لتأزيم الموقف. وزير الصحة الأسبق(1-2): إلغاء العلاج المجانى سهل الاستيلاء على المال العام