دافعت الحكومة البريطانية عن اتفاق للتعاون العسكرى من المزمع توقيعه مع فرنسا من شأنه السماح لضباط فرنسيين بقيادة قوات بريطانية خلال تدريبات أو عمليات مستقبلية، وذلك فى ظل انتقادات حادة تواجهها هذه الخطوة، التى اعتبر البعض أنها تستهدف توفير جزء من النفقات الباهظة التى تتكبدها الدولتان فى المجالات العسكرية. وقال مصدر حكومى بريطانى رفيع، رفض الكشف عن هويته، إن الاتفاق «لن تمس بسيادة المملكة المتحدة»، مشددا على أنه يتعلق ب«دولتين ذاتا سيادة تعملان معا على أساس تقييم دقيق لما يمكن أن يشكل مصلحة وطنية لبريطانيا». وفى وقت حذر فيه خبراء بريطانيون من تداعيات توقيع هذا الاتفاق على العلاقات القائمة بين بريطانيا وحلفائها الآخرين بخلاف فرنسا، نشرت صحيفة «صنداى تليجراف» مقالا لوزير الدفاع البريطانى ليام فوكس دافع فيه عن الخطوة المرتقبة، معتبرا أن «إقامة تعاون أوثق مع فرنسا لا يعنى إضعاف العلاقات مع ألمانيا أو أى من القوى الأخرى فى (حلف شمال الأطلسى) الناتو». فوكس أضاف أن الاتفاق «لن يتغير بأى شكل من الأشكال العلاقات الخاصة التى تربطنا بالولايات المتحدة، وهى شريكنا الاستراتيجى الرئيسى على الصعيد الدولى». غير أن محللين رجحوا أن تلقى الاتفاقية، التى وصفتها مصادر سياسية بريطانية ب«الصادمة»، معارضة قوية حتى من جانب نواب ينتمون لحزب المحافظين، الذى يقود الائتلاف الحاكم، وينتمى إليه رئيس الحكومة. وبنظر بعض هؤلاء النواب أن اتفاق التعاون العسكرى مع فرنسا تشكل «إذلالا لبريطانيا وتصرفا قصير النظر يستهدف مراعاة الحاجة لإجراء استقطاعات كبيرة فى الميزانية العسكرية»، بعدما أعلنت حكومة ديفيد كاميرون الشهر الماضى خطة تقشف هى الأكثر صرامة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وبالرغم من أن ميزانية وزارة الدفاع، البالغة 37 مليار جنيه استرلينى سنويا، لم تتأثر بنفس القدر الذى تأثرت به ميزانيات الوزارات الأخرى، فإن التقليص الذى طرأ عليها، والمقدر بنحو 8% سنويا سيجبر الوزارة على إلغاء بعض برامج التدريب والتطوير أو إرجائها على أفضل التقديرات. وفى وقت اتخذت فيه فرنسا إجراءات اقتصادية مماثلة، تأمل الدولتان أن يؤدى تعزيز التعاون العسكرى بينهما إلى تمكينهما من مواصلة برامجهما الطموحة فى مجال التسلح والتدريب وجمع المعلومات المخابراتية، وذلك عبر تقاسم التكاليف الباهظة لمثل هذه البرامج. وينص مشروع الاتفاق على إجراء مناورات مشتركة بين القوات البرية لكلا البلدين، وربما المشاركة فى عمليات عسكرية تحت قيادة موحدة إذا ما اقتضت الحاجة. كما ستستخدم الدولتان بشكل مشترك حاملات الطائرات الموجودة لديهما اعتبارا من عام 2020، بحيث يمكن للمقاتلات والمروحيات العسكرية البريطانية استخدام حاملات الطائرات الفرنسية والعكس بالعكس. ومن شأن هذا التعاون إجبار مصممى حاملات الطائرات البريطانية على إدخال تعديلات فى تصميمها الحالى حتى يتسنى للمقاتلات الفرنسية استخدامها. كما سيتعاون الجانبان فى تنفيذ برامج لتطوير طرازات جديدة من الصواريخ والطائرات بدون طيار، إلى جانب إقامة دورات تدريبية مشتركة لطيارين ومهندسى صيانة بعض المقاتلات. وبالرغم من أن الاتفاق لا يستهدف دمج الجيشين البريطانى والفرنسى، فإن مصادر عسكرية بريطانية قالت إن مواجهة البلدين ل«تهديد مشترك قد يجعل من المبرر نشر قوات بريطانية وفرنسية بشكل منسق ومشترك». لكن المسئولين البريطانيين حرصوا على تأكيد أن توجه لندن لتعزيز التعاون العسكرى مع باريس لا يشكل «مسعى لتشكيل جيش أوروبى موحد»، كما أشاروا فى الوقت نفسه إلى أن الاتفاق لا يشبه بأى حال اتفاق مماثل وقع بين البلدين عام 1998، واعتبرت وقتذاك «خطوة على طريق بلورة سياسة مشتركة للاتحاد الأوروبى فى المجال العسكرى».