دافعت الحكومة البريطانية عن قرارها منح تعويضات بعشرات الملايين من الجنيهات الاسترلينية لمعتقلين سابقين فى جوانتانامو يتهمون أجهزة الاستخبارات فى البلاد بالتواطؤ فيما يتعلق بعمليات تعذيب تعرضوا لها، مشيرة إلى أنها دفعت هذه التعويضات ل«حماية أسرار حساسة»، وذلك بينما قال نواب فى مجلس العموم إن ما جرى يشكل ما يشبه «إقرارا بالذنب ويمنح مصداقية لادعاءات المعتقلين». وشدد متحدث باسم مقر رئاسة الوزراء البريطانية على أن حكومة رئيس الوزراء ديفيد كاميرون تسعى ل«طى صفحة الماضى»، وإتاحة الفرصة أمام أجهزة المخابرات للتركيز على مهامها، ولكنه أقر بأن «البعض قد يرون أن دفع هذه التعويضات يشكل أمرا غير مستساغ». أما وزير العدل البريطانى كينيث كلارك فقد قال فى كلمة أمام مجلس العموم إن اتخاذ هذه الخطوة كان ضروريا لئلا تُخاطر الحكومة ب«كشف معلومات مخابراتية حساسة» إذا ما قرر المعتقلون السابقون إقامة دعاوى قضائية ضدها، وذلك بينما أعرب نواب فى المجلس عن قلقهم إزاء ما سيترتب على القرار الحكومى فى هذا الشأن من تداعيات. فمن جهته، قال النائب عن حزب المحافظين الذى يقود الائتلاف الحاكم باتريك مرسر إن أوساطا إسلامية اعتبرت دفع هذه التعويضات دليلا على أن «بريطانيا أقرت بضلوعها فى عمليات تعذيب»، مشيرا إلى أن الموافقة على تسديد هذه الأموال تعد «بمثابة اعتراف بالذنب.. كما أنها تمنح حتما قدرا من الراحة لأعدائنا». فى السياق ذاته، كشف النائب العمالى المعارض ديفيد وينيك عن أنه يتفق مع الكثيرين الذين يرون أنه لا يمكن تفهم مسألة منح هذه التعويضات «دون أن يكون هناك أساس للادعاءات التى أطلقها من يقولون إنهم احتجزوا بشكل غير قانونى وتم نقلهم إلى دول أخرى». وتشمل قائمة المعتقلين السابقين الذين سيستفيدون من الاتفاق الخاص بمنح التعويضات 16 شخصا، كلهم بريطانيون أو مقيمون فى بريطانيا، ومن أبرزهم بنيام محمد الإثيوبى الأصل والمقيم فى المملكة المتحدة، والذى عاد إلى لندن فى فبراير من العام الماضى بعد أربع سنوات قضاها محتجزا فى معتقل جوانتانامو الذى تديره القوات الأمريكية. وفى المقابل، سيحجم المعتقلون السابقون عن إقامة أى دعاوى قضائية ضد السلطات البريطانية، التى يتهمونها بأنها تواطأت مع تعذيب تعرضوا له فى بلدان مثل المغرب وباكستان وأنحاء أخرى من العالم. واعتبر وزير العدل البريطانى أن التخلى عن رفع تلك الدعاوى سيجنب بلاده الدخول فى «عملية تقاضى طويلة الأمد وباهظة التكلفة، إذ قد تبلغ تكاليفها ما يصل إلى 50 مليون جنيه إسترلينى على مدى السنوات الأربع أو الخمس المقبلة»، كما أشار إلى أن قضايا مثل تلك قد تُنظر «فى بيئة قضائية لا تستطيع الحكومة فى ظلها أن تدافع عن أداء وزارتها وأجهزتها دون المجازفة بأمور متعلقة بالأمن القومى»، وذلك فى إشارة إلى إمكان أن يُكشف خلال نظر تلك القضايا النقاب عن معلومات تتعلق بعمل أجهزة المخابرات فى البلاد، أو تتصل بالتعاون الأمنى والمخابراتى بين لندن وواشنطن. ويسمح الاتفاق الذى تم التوصل إليه بعد أسابيع من المفاوضات بين ممثلين عن الحكومة ومحامى المعتقلين السابقين ببدء تحقيق مستقل يقوده القاضى السابق السير بيتر جيبسون حول ادعاءات هؤلاء الأشخاص بأن السلطات البريطانية غضت الطرف عن عمليات تعذيب جرت بحقهم فى خارج البلاد عقب هجمات الحادى عشر من سبتمبر. وبينما حرص الوزير البريطانى على تأكيد أن الاتفاق لا يتضمن «أى إقرار بالذنب من جانب الحكومة» بشأن عمليات التعذيب المفترضة، فقد أعرب عن أمله فى أن يتمكن القاضى جيبسون من بدء تحقيقه فى هذا الملف قبل نهاية العام الحالى على أن يقدم تقريره بشأنه فى غضون اثنى عشر شهرا.