الذين يختلفون مع المخرج خالد يوسف، والذين يتفقون معه، يجمعون على شىء واحد، وهو أنه المخرج الأكثر إثارة للجدل خلال السنوات الماضية، فما أن تهدأ عاصفة حوله، حتى تنطلق أخرى أشد قوة من سابقتها. هو المخرج المتهم بتجاوز الخطوط الحمراء فى السينما المصرية، تارة بتمسكه بالسير عكس اتجاه «السينما النظيفة» بتقديم مشاهد السحاق، وتارة بتوجيه النقد اللاذع للحكومة والمجتمع معا، وهو أيضا المخرج «السياسى» الذى يخفى بين مشاهد أفلامه توجهاته السياسية. بنفس الملامح تحدث خالد يوسف وعبر عن أفكاره فى جلسة لم ينقصها الصراحة على مائدة «الشروق». هل ما ستقدمه فى«دكان شحاتة» مرتبط بما قدمته فى «حين ميسرة» ؟ الفيلمان مرتبطان بما يحدث فى مصر، وكل أفلامى مرتبطة ببعضها البعض، و«دكان شحاتة» به فكرة تسير على قضيبين مثل قضبان القطار أو يحمل فكرة بروحين، أولهما متعلق بحقيقة مهمة وهى أن هناك 30 مليون مصرى لا يملكون مترا مربعا على أرض مصر، ومع ذلك نطالبهم مرة بأن يذهبوا للحرب ومرة أخرى نطالبهم بالانتماء، فإذا كنت لا تملك الأرض التى تعيش عليها فكيف تفكر، وبالتالى نحن نطرح سؤالا: من يملك هذا البلد؟! وبالتالى تظهر الفكرة الثانية وهى الظلم، والفيلم كله تيمة ظلم يتعرض له البطل، والتدقيق فيما يتعرض له البطل من ظلم يحيلنا للحديث عن الشخصية المصرية، وكيف يمكن أن يغيرها الشعور بالظلم، لأن غاية الفيلم هو التعرض للشخصية المصرية، وبدون شيفونية أنا أرى أن الشخصية المصرية أعظم شخصيه عرفتها البشرية بناء على إنجازها الحضارى. هل تعتقد أن الظلم يؤدى بالشخصية المصرية إلى الثورة؟ نزار قبانى يقول إن الثوره تولد من رحم الأحزان، ولو استمر الحال كما هو عليه سنصل لمرحلة لن يبقى فيها حرث ولا زرع، وستعم الفوضى التى لا نستطيع أن نسميها فوضى خلاقة ولكنها فوضى عشوائية؛ لأن الظلم سيقتل البراءة والطيبة والتسامح، والفيلم يحمل رسالة تقول إنهم يقتلون البراءة والتسامح. من هم؟ أى شخص يحمّل الحكومة مسئولية ما وصلنا إليه اليوم هو على حق، وأى شىء وصلت إليه مصر الآن المسئول عنه هو النظام الحالى الذى يحكم منذ 30 عاما، هناك أجيال ولدت وعاشت لم تر نظاما غير النظام الحالى، وبالتالى أى خراب أو تقدم فى مصر يتحمل مسئوليته النظام الحالى، ومع ذلك لا أبرئ نفسى؛ لأننا مسئولون ولو لمجرد صمتنا وعدم مطالبتنا بحقوقنا. فى «دكان شحاتة» هل البطل هو الشخصيات أم الأماكن التى تدور بها الأحداث؟ الاثنان معا، هناك علاقة جدلية طوال الفيلم ما بين المكان وأبطال الفيلم حتى يصبح المكان أحد أبطال الفيلم، وهى نفس العلاقة الجدلية التى نعيشها فى حياتنا اليومية ما بين الإنسان والمكان وأيهما يظلم الآخر. عرفنا أن بطلك لا ينتقم لظلمه فى النهاية؟ صحيح بطل «دكان شحاتة» لا ينتقم لظلمه؛ لأنها طبيعة الشخصية المصرية أن تعفو وتسامح من يظلمها، ولدينا نموذج من يقدم كفنه إلى عدوه وخصمه فنجد الخصم يعفو عنه، وأنت إذا حدث بينك وبين شخص خصومة تقول لو وقع تحت يدى سأقطع رقبته وإذا جاءك وطلب منك أن تسامحه لا تملك إلا أن تعفو عنه، ولو لم تفعل تصبح أنت المخطئ. فى أحداث الفيلم هل تطالب أبطالك بتقبل الوضع الحالى أم بالثورة على الظلم؟ الفيلم يطالب شخوصه بالحفاظ على صفات الشخصية المصرية؛ لأنها مثل المعادن النفيسة كل عوامل التعرية لا تغير فيها إلا القشرة الخارجية وتظل محتفظة بقيمتها الأصلية، وللعلم ما يكتب الآن عن تغيير الشخصية المصرية وغياب النخوة والشهامة كله لا يتخطى مجرد الكتابة عن القشرة، وما لا نستطيع أن نتنبأ به هو إلى أى مدى ستتحمل الشخصية هذا الظلم. فى رأيك ما هو أخطر ما يواجه الشخصية المصرية؟ الأفكار الوهابية؛ لأنها تحاول تغيير الملامح المصرية من العمق، فالعائدون بهذه الأفكار لا يسعون لمجرد تغيير المظاهر بقدر ما يعملون على تغيير الأفكار، ولذلك أنا أحارب أى مد وهابى، خصوصا أن هناك وسائل إعلام تدعم هذا الفكر، إما لأنها جاهلة بمخاطره وغير واعية بدورها أو لأنها ممولة من أنصار هذا الفكر المتعصب. لماذا إذن يدور الصراع فى «دكان شحاتة» بين أسرة واحدة، ولماذا لم تأت بأسباب صراع خارجية؟ لأنى ضد التفسير التآمرى للتاريخ، ويخطئ من يتوهم أن هناك مؤامرة على مصر، ولست من أنصار التفكير التآمرى، ولذلك لم أسع لأن تكون هناك عناصر خارجية تحرك الصراع بين شحاته وإخوته، وأن يكون سبب الصراع ذاتيا، بدليل أن الحكومة الحالية هى مصرية ولكننى على خلاف معهم، وبالتالى لابد أن نعترف أن مشكلتنا كمصريين نحن السبب فيها، ونحن فقط القادرون على حلها. اختيارك لهيفاء وهبى مثّل مفاجأة فلماذا اخترتها؟ من سيشاهد الفيلم هو وحده القادر على أن يقول الإجابة، ودرجة إقناع هيفاء وهبى للناس كممثلة هى التى تعطى اختيارى المصداقية، لأننى أرى أنها ممثلة أفضل منها كمطربة، بل إنها ممثلة جيدة وستفاجئ الجمهور. هل كانت عبئا عليك؟ لم تكن عبئا، بالعكس، هى لديها ميزة مهمة أنها تحب العمل وأخذت معى فترة تدريب لمدة شهرين تتدرب بشكل يومى على دورها وهذا هو المعتاد مع أى ممثل يمثل لأول مرة. لماذا تحيط أفلامك بهالة سياسية وكأنك تحاول أن تقول إنك تناضل من خلال أعمالك السياسية؟ لأننى قبل أن أكون سينمائيا فأنا مواطن له موقف سياسى، وجئت للسينما من شارع السياسة، وبالتالى لا أستطيع أن أفصل بين حياتى وبين أعمالى السينمائية، وللعلم أنا أدفع ثمن مواقفى السياسية سينمائيا. ماذا تقصد؟ كثيرا ما تهاجم أفلامى من خصومى السياسيين حتى لو أعجبتهم، يهاجمونها لمجرد الهجوم عليها، وأنا أعرف أنه لابد أن أدفع ضريبة مواقفى السياسية، ويكفى أن أذكر لكم مثالا بسيطا، فيلمى القادم عنوانه «كلمنى شكرا» وهو فيلم كوميدى خال من السياسة، ومع ذلك دخلت ميكروسكوب الرقابة لأكثر من ستة أشهر وروقب مراقبة دقيقة، والملاحظات التى أتت عليه مضحكة جدا، منها مثلا أن البطل يقول لأمه «إيه رأيك فى تسريحة شعرى مش كده بقيت شبه أوباما» والرقابة تطلب حذف كلمة أوباما!. تتحدث عن الرقابة بالرغم من أن السينمائيين يحسدونك على علاقتك بالرقابة؟ ليس لدى علاقة مميزة مع الرقابة.. على العكس دائما علاقاتى معهم متوترة بداية من فيلمى الأول العاصفة الذى أحالته الرقابة إلى الجهات السيادية ليحصل على الموافقة، وخصوصا أننى لا أتمتع بعلاقة قرابة مع الرقابة ولا هم مرتشون فأدفع لهم، أما بالنسبة للسينمائيين الذين يحسدوننى على علاقتى بالرقابة، فهم سينمائيون «خائبون» لا يعرفون كيف يدافعون عن حقوقهم، أما أنا فأعرف حقوقى وأعرف قانون الرقابة جيدا ولا أتنازل عن حقوقى أبدا. هل هناك حدود للرقابة الذاتية؟ حدود الرقابة الذاتية هى ألا أخاصم وجدان الناس إلا فيما يتعلق بالخرافة، وأنا حريص على تكسير المفاهيم الخاطئة والظالمة مثلما تعرضنا لمفهوم الشر فى ويجا، ولدى دائما حدود أن أقدم ما أرضاه لنفسى ولأولادى، أى أن أحب أن يشاهد الناس ما أرضى أن يشاهده مايا ويوسف. ولكنك تواجه مشاكل مع بعض فئات المجتمع وكثيرا ما يصل الأمر إلى رفع دعاوى قضائية؟ أعترف بأننى أحمل خصومة مع بعض تقاليد المجتمع وآدابه، وأسمح لى أن أشبه ما أقدمه ويختلفون معه مثلما كان الأمر مع قاسم أمين ورفاقه مع الفارق، فأنا أراهن على أنه سيأتى يوم ويتفهمون ما أقدمه. أيهما يؤثر عليك أكثر خصومتك مع بعض فئات المجتمع أم النظام والجهات الرسمية؟ لا تقلقنى عداوة النظام ولا عداوة الأصوليين ولكن يقلقنى لو وقعت خصومة مع المواطن البسيط، ولو حدث ذلك سأتوقف وأسأل نفسى مائة سؤال فأنا يهمنى المواطن البسيط ولا يهمنى زبانية النظام ولا المتعصبين. هل وجهت لك الجهات الرسمية أى تحذيرات أو تهديدات معينة؟ حتى هذه اللحظة ومنذ بدأت العمل فى السينما لم يتوجه إلى شخص من أى جهة رسمية بأى تحذيرات أو تهديدات، ولم ألتق بأى مسئول وتكلم معى كلمة واحدة فى هذا الإطار. لماذا برأيك؟ لأن هذا النظام بلا عقل مفكر ولا يهتم بإيجاد طرق للتحاور مع معارضيه والأمور تسير بشكل عشوائى. دائما ما تهاجم النظام فهل أنت راض عن المعارضة؟ المعارضة مثلها مثل النظام تتحمل جزءا كبيرا من المسئولية ولو أن المعارضة وخصوصا اليسار أدت واجبها بشكل جيد لما كنا تحت ظل هذا النظام طيلة 30 سنة، فاليسار بالتحديد لديه أخطاء فادحة فى حق نفسه وحق معتقداته، فهم لم يتواصلوا مع الشارع وفشلوا فى أن يجمعوا الناس حولهم كما فعل الإخوان. بمناسبه الإخوان كيف تقيّم دورهم ونجاحهم فى جذب الناس؟ الغريق يبحث عن قشة ليتعلق بها، والإخوان هم قشة الغريق، وهم يقولون للناس أنتم خسرتم دنياكم ومعنا ستكسبون آخرتكم، وقد نكسب لكم الدنيا أيضا والناس تصدقهم، وعموما طوال التاريخ تشتد الحركات الإسلامية ويزداد تأثيرها كلما تردت الأوضاع، وما يحدث من زيادة وقوة ونفوذ الإخوان دليل على حالة التردى التى نعيشها. تعرضت فى أفلامك لقضايا وتيارات سياسية مهمة ولكنك لم تتعرض لقضية التوريث لماذا؟ موقفى من التوريث معروف ومعلن للجميع، فأنا ضد التوريث قلبا وقالبا، ولكننى أقدم ما يتاح لى أن أقدمه، لأننى فى النهاية أعمل بمال غيرى، فلو قدمت عملا عن التوريث سيتكلف 20 مليون جنيه ولن يعرض، وسيتكبد المنتج خسائر فادحة، وأنا لا أقبل بهذا إلا فى حالة تنفيذه. بالمناسبة هل لديك مشروعات تعطلت بسبب الرقابة؟ طبعا سيناريو فيلم «المشير والرئيس» مازال معلقا فى الرقابة منذ 3 سنوات فبعد اعتراض الرقابة تحول الفيلم إلى الجهات السيادية وهذه الجهات السيادية هى الأخرى رفضت تنفيذ الفيلم، إلا بعد عمل تعديلات عبثية تتعلق بانحراف جهاز المخابرات وتمرد الجيش عام 1967، والقضيتان تم مناقشتهما فى وسائل الإعلام دون حظر نشر، وأصدر القضاء المصرى أحكاما فيها وصلت إلى الحبس 40 سنة لصلاح نصر، وتحول الأمر إلى دعوى قضائية أطالب فيها بالسماح بتنفيذ الفيلم، وأحيل السيناريو إلى هيئة مفوضى الدولة، وما استفزنى فى هذا الموضوع أن السيدة برلنتى عبدالحميد ستحول مذكراتها إلى مسلسل ويصبح المصدر المهم لفهم هذه الفتره هو كتاب «الطريق إلى قدرى» لبرلنتى عبدالحميد، وهو ملىء بالعبث، وضد المصادر التاريخية، وضد طبائع الأمور، فهى تحاول أن تصور لمن يقرأ الكتاب أن الثورة والدولة كانت تدار من بيتها، فى حين أن الحقيقة أنها لم تلتقى بالرئيس عبدالناصر فى حياتها.