قال المستشار كمال اللمعى، نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس محاكم القضاء الإدارى، إن «شبهة التواطؤ بين هيئة المجتمعات العمرانية وشركة طلعت مصطفى» كانت سببا فى الحكم ببطلان عقد مدينتى، وأن المحكمة الإدارية حرصت فى حيثيات حكمها على وصف السعر بالبخس وقالت إن العقد أبرم خلسة» إلا أنها أفردت مساحة للحديث عن حقوق المواطنين الحاجزين لحماية مراكزهم القانونية، لأنه لا يجب أن يضاروا بأخطاء الجهة الإدارية، وكذلك حرصت الدولة على تنفيذ الحكم بما لا يضر بالحاجزين». وأضاف اللمعى فى الجزء الثانى من حواره مع «الشروق» أنه على وزارة الإسكان إرسال العقد الجديد فور الانتهاء من صياغته إلى لجنة الفتوى الثانية ثم مراجعته فى الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع. وتناول نائب رئيس مجلس الدولة فى حواره قصة النزاع بين الحكومة ورجل الأعمال وجيه سياج، والذى كان أصدر لصالحه حكما نهائيا يلزم الحكومة بدفع تعويض 7 ملايين جنيه عن نزع الأرض التى خصصتها له فى طابا. وقال: «الدولة لم تنفذ الحكم وأصرت على قرار تخصيص الأرض للمنفعة العامة رغم مخالفته للقانون، مما دفع سياج للجوء إلى التحكيم الدولى باعتباره يحمل جنسيات أجنبية، وللأسف صدر حكم التحكيم بتغريم مصر 74 مليون دولار (الفارق 370 مليون جنيه)». مضيفا أنه: «إذا كانت الحكومة نفذت الحكم وأنصفت سياج كانت ستتلافى بالتأكيد الحكم الضخم عليها فى مركز (إكسيد). فى الجزء الثانى من حواره ل«الشروق» يتحدث المستشار كمال اللمعى، نائب رئيس مجلس الدولة رئيس محاكم القضاء الإدارى، عن «تجاهل» الدولة تنفيذ حكمه لصالح رجل الأعمال وجيه سياج، والذى «كلف الخزينة العامة 370 مليون جنيه، بسبب لجوء رجل الأعمال إلى التحكيم الدولى واضطرار مصر للدخول فى تسوية معه». ويوضح اللمعى أن تنفيذ حكم «مدينتى» بإعادة بيع الأرض لشركة طلعت مصطفى «صحيح، لكن على الدولة إحالة العقد الجديد لمجلس الدولة لمراجعته، وأن حل مسألة تضارب أحكام العقود هو تدخل دائرة توحيد المبادئ بالمحكمة الإدارية العليا، وأكد أن الوزراء لا ينفذون الأحكام بسبب ضعف الثقافة القانونية للمسئولين». ● ما أهم الأحكام التى أصدرتها خلال 10 سنوات رئيسًا لدائرة العقود بالمحكمة الإدارية العليا؟ - نظرت أولى مراحل النزاع بين الحكومة ورجل الأعمال وجيه سياج، حيث أصدرت حكما نهائيا يلزم الحكومة بدفع تعويض 7 ملايين جنيه لسياج على نزع الأرض التى خصصتها له فى طابا، لكن الدولة لم تنفذ الحكم وأصرت على قرار تخصيص الأرض للمنفعة العامة رغم مخالفته للقانون، مما دفع سياج للجوء إلى التحكيم الدولى باعتباره يحمل جنسيات أجنبية، وللأسف صدر حكم التحكيم بتغريم مصر 74 مليون دولار (الفارق 370 مليون جنيه). ● هل كان تنفيذ حكمك سيقى مصر من دفع هذه المبالغ الضخمة؟ - إذا كانت الحكومة قد نفذت الحكم وأنصفت سياج كانت ستتلافى بالتأكيد الحكم الضخم عليها فى مركز «إكسيد» الذى عاد عليها بخسارة مالية ضخمة، فالإدارة الواعية هى من تعلم أن تنفيذ الأحكام يقيها أضرارا أخرى جسيمة، وهناك قضايا أخرى مطروحة على التحكيم الدولى بسبب عدم تنفيذ أحكام القضاء المصرى، ويجب على الحكومة معرفة أن حياد التحكيم الدولى أمر غير مضمون، وأن قضاة مصر يكونون أكثر حرصا على مصلحة الدولة. ● هل ترى أن حكم التحكيم فى قضية سياج مجحف بحق مصر؟ - لمراكز التحكيم الدولية أسس للحكم وتحديد مبالغ التعويض مختلفة عمّا هو متبع فى مصر، وبعد الحكم لم يكن أمام الدولة إلاّ اللجوء للتسوية، لكن هذا لا يلغى حقيقة أن سياج هو الرابح فى هذه القضية. ● وماذا عن حكمك فى قضية إلغاء عقد شركة ماليكورب مع الحكومة لإنشاء مطار رأس سدر؟ - كان المستشار جمال دحروج، نائب رئيس مجلس الدولة الأسبق، منتدبا فى الطيران، فاكتشف شبهة التواطؤ والتدليس بين بعض المسئولين والشركة، التى يبلغ رأسمالها 3 جنيهات استرلينى، فكيف لها أن تنشئ مطارات وقواعد جوية؟ لم يكن مقبولا إسناد مشروع ضخم مثل المطار، لهذه الشركة دون سابقة خبرة أو ضمان مالى، وعلى هذا الأساس ألغينا التعاقد. ● كيف تقيم موقف مصر فى قضية ماليكورب وهى محجوزة للحكم حاليا فى مركز المنازعات الدولية؟ - مركز الدولة فيها قوى جدا ولا أتوقع تكرار سيناريو سياج. ● بحكم خبرتك الطويلة فى قضايا العقود.. ما رأيك فى حكم بطلان عقد «مدينتى»؟ - لا أستطيع التعليق على الحكم إلاّ إذا كنت فى محكمة الطعن، ولكن حكم أول درجة مبنى على وجود شبهة تواطؤ بين هيئة المجتمعات العمرانية وشركة طلعت مصطفى وأن هذا العقد لم يتبع إجراءات قانون المزايدات، وهى وجهة نظر لها وجاهتها، وإذا صح وجود تواطؤ وتعمد إضرار بمصالح الدولة يجب إلغاء العقد، لأن الغش يفسد كل شىء. وفى المقابل هناك أحكام قضائية مستقرة بأن العقد يكون سليما حتى إذا خولف قانون المزايدات، ويتحمل المسئولية الموظفون الذين خالفوا القانون فقط ولا يبطل العقد، لأن إرادة الطرفين التقت فى التعاقد وترتبت عليه مراكز قانونية وحقوق مكتسبة للآخرين. ● ولماذا خالفت الإدارية العليا هذه الأحكام؟ - لأن المحكمة رأت أن هناك تواطؤا بين الطرفين وحرصت فى الحيثيات على وصف السعر بالبخس وقالت إن العقد أبرم خلسة، لكن المحكمة أفردت مساحة للحديث عن حقوق المواطنين الحاجزين لحماية مراكزهم القانونية، لأنه لا يجب أن يضاروا بأخطاء الجهة الإدارية، وكذلك حرصت الدولة على تنفيذ الحكم بما لا يضر بالحاجزين. ● ما حل تضارب الأحكام فى مسألة سريان قانون المزايدات؟ - أرى وجوب إحالة المسألة إلى دائرة توحيد المبادئ بالمحكمة الإدارية العليا لإصدار مبدأ جديد فيها. ● بعض المراقبين يقولون إن الدولة التفت على الحكم بإعادة تخصيص الأرض للشركة؟ - أرى أن هذا الحل هو الأفضل لصيانة الحقوق المشروعة المكتسبة، ومن المصلحة العامة أن تظل الشركة قائمة بالعمل لأنها الأقدر على إتمامه، وفى ذات الوقت يمكن تعديل المقابل وسعر الأرض للحفاظ على حقوق الدولة، كما طمأن هذا الحل المستثمرين الأجانب الذين تخوفوا من أخطاء الحكومة فى التعاقد. ● هل سيعرض العقد الجديد على مجلس الدولة لمراجعته؟ - يجب على وزارة الإسكان إرسال العقد فور الانتهاء منه إلى لجنة الفتوى الثانية ثم مراجعته بالجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع، لأن قانون المجلس حاسم فى هذه المسألة بإلزام الحكومة بمراجعة عقودها فوق 5 آلاف جنيه على إدارة الفتوى المختصة، وفوق 50 ألف جنيه على لجنة الفتوى المختصة والجمعية العمومية. ● وما أسس مراجعة العقد الجديد؟ - لن تقف المراجعة عند حد الصياغة أو النماذج السابقة كما يتردد، فستتولى الجمعية قياس العقد بحكم البطلان وبتعديل قانون المزايدات والأوضاع القائمة فى المشروع حاليا. ● ألا يترتب البطلان على مخالفة وزارة الإسكان لفتاوى المجلس بإبرام العقود وفق قانون المزايدات؟ - الفتاوى استشارية وتستطيع الجهات الإدارية مخالفته إذا رأت أنه لا يحقق أهدافها، لكنها تتحمل المسئولية الإدارية والتأديبية والجنائية المترتبة على هذه المخالفات. ● ولماذا أقدم وزير الإسكان السابق إبراهيم سليمان على سؤال الجمعية 3 مرات عن العمل بقانون المزايدات، واستمر فى المخالفة؟ - هو من تحمل مسئولية المخالفة، ونتج عنها فتح ملفاته بعد خروجه من الوزارة والتحقيق معه فى النيابة العامة. ● وما حل التضارب التشريعى بين قانونى المزايدات والمجتمعات العمرانية؟ - الدولة بدأت فى صياغة تشريع جديد لبيع الأراضى، ويجب عليها أن توحد التعامل فى مسألة البيع وتسمح ببعض الاستثناءات المحدودة لكل جهة تدير الأراضى مثل المجتمعات العمرانية والسياحية والصناعية والإصلاح الزراعى، حتى تتصرف فى الأراضى بصورة تخدم أهدافها وتناسب مصالح المتعاملين معها. ● ما سبب التضارب بين القوانين فى مصر؟ - التعجل فى إصدار التشريعات وعدم دراستها بشكل متأنٍ وعدم عرضها على قسم التشريع بمجلس الدولة. ● هل عدم مراجعة المجلس للقوانين يؤدى إلى بطلانها؟ - نعم بنص قانون مجلس الدولة الذى يوجب على الحكومة عرض القوانين على قسم التشريع عليه لصياغتها، ولكن أصبحنا نتساهل فى هذه المسألة لأن معظم القوانين لا تعرض على القسم، ونكتفى فقط بأن تعرض على اللجنة التشريعية بمجلس الشعب. ● ما رأيك فى ظاهرة رفض الوزراء صراحة تنفيذ أحكام القضاء كما حدث فى حكمى تسعير الدواء والحد الأدنى للأجور؟ - هذا بسبب ضعف الثقافة القانونية للمسئولين، والمسئول الذى لا ينفذ الأحكام للمواطنين البسطاء اليوم سيواجه تعنتا فى تنفيذ الأحكام الصادرة لصالحه بعد حين، فمعظمهم يلجأون للقضاء بعد الخروج من السلطة للحصول على رصيد الإجازات والبدلات والمعاشات ويعانون فى تنفيذ الأحكام أيضا.