منذ سنوات وأنا أحاول حفظ أسماء الأحزاب السياسية ال24 فى مصر وفشلت. كتبت أسماءها ورؤساءها وعام تأسيسها فى ورقة، احتفظت بها فى مكتبى، لكننى فشلت أيضا. كان الأمر يمثل تحديا، واعتقدت أن الذاكرة ضعفت، لكن كل الزملاء الذين سألتهم فشلوا هم أيضا.. وشيئا فشيئا لم أعد أكترث لأن معظم هذه الأحزاب لا صلة له بالعملية الحزبية إلا الاسم. فى الصفحة الرابعة من جريدة روزاليوسف يوم الأربعاء قبل الماضى حوار مع مصطفى عبدالعزيز رئيس حزب المحافظين، عنوانه: بعد الاختفاء الغامض والعودة المفاجئة.. رئيس حزب المحافظين يكشف أوراقه فى حوار الانقلابات. يعلم الله أننى تصورت للوهلة الأولى أن المقصود برئيس حزب المحافظين هو الحزب البريطانى الشهير، ولكن لأن عنوان الصفحة هو أحزاب مصرية، فقد اختلط علىّ الأمر، وتصورت للمرة الثانية أن الرجل هو رئيس المحافظين، ولأنه لا يوجد مثل هذا المنصب فى مصر، فقد قرأت الحوار لأكتشف أن الرجل يرأس حزبا فى مصر اسمه المحافظين. ربما كان الأمر مرجعه إلى ضعف متابعتى لشئون الأحزاب لكن تفاصيل الحوار كشفت العديد من المفاجآت منها أن الرجل قرر قبل أربعة شهور تجميد نشاط حزبه طواعية نتيجة لما وصفه ب«الصعاب التى تواجه الأحزاب السياسية».. ثم قرر وفجأة أيضا أن يعاود النشاط لأن «بعض قيادات الحزب قررت المثابرة والعودة للساحة مرة أخرى وترشيح بعض الأعضاء فى انتخابات الشعب»، مضيفا أنه ليس صحيحا أنه جمد نشاط الحزب بسبب عدم تعيينه، عضوا فى مجلس الشورى، وأنه سينضم للتحالف السباعى لأنه «موجود بشكل جيد على الساحة ومعظم قادته أعضاء بمجلس الشورى وقريبون من الساحة السياسية»!. تخيلوا هناك حزب باسم المحافظين جمد نفسه ثم عاد مرة أخرى ولم يشعر به أحد، ولم تسأله لجنة شئون الأحزاب لماذا جمدت نفسك ولماذا عدت، وهل يجوز ذلك؟ وإذا جاز كل ذلك وكان الحزب مستوفيا كل «الشروط الملاكى» التى وضعتها لجنة الأحزاب.. ألا نخجل جميعا من هذا التشوه السياسى الذى نعيشه؟!. معظم نشاط الأحزاب المصرية صرنا نتابعه عبر صفحات الحوادث.. انشقاقات وخناقات ودعاوى قضائية ويعقبها تجميد للنشاط بقرار من لجنة الأحزاب، ويتطور الأمر أحيانا إلى حوار بالرصاص كما حدث فى حزب الوفد بالدقى أو بقنابل المولوتوف كما حدث فى حزب الغد بميدان طلعت حرب، أو عبر صفقات مشبوهة من أجل مقعد فى «الشورى» أو بعض المقاعد فى مجلس الشعب والمتهم الرئيسى فى كل ذلك هو الحكومة. ما لا تدركه الحكومة وكبار منظريها أنها عندما سمحت بهذه الأحزاب الكرتونية ومنعت القوى السياسية الحقيقية من الترخيص بممارسة النشاط، أو التضييق عليها فى مقارها أو حتى إغرائها كى تدخل الحظيرة، فإنها عندما تواجه أزمات حقيقية فلا تجد أمامها فى الساحة سوى عويل الرياح فى صحراء جرداء. من يزرع مثل هذه الأحزاب فلن يجد أمامه سوى «المحظورة» وعفوا للإخوان المسلمين.