بين بقايا الأجهزة الإلكترونية والكهربائية وجدت جمعية «روح الشباب للتنمية البيئية» بمنشية ناصر ما يمكن أن يكون مصدرا محتملا للدخل لعدد من السيدات بتعليمهن كيفية تفكيك هذه الأجهزة المستعملة القديمة، والبحث عن الأجزاء الصالحة بها لتجميعها مرة أخرى فى أجهزة يتم بيعها بأسعار رمزية يستفيد منها غير القادرين على شراء الجديد. «فى النهاية نكون قللنا المخلفات الإلكترونية قدر المستطاع بما فيها من مواد ضارة، ووفرنا أجهزة لغير القادرين، وكمان مصدر رزق للسيدات اللاتى يعملن معنا»، هكذا يلخص مجد على مدير المشروع بجمعية روح الشباب الفوائد المتعددة الناتجة عن المشروع الذى بدأ منذ 6 أشهر وتعمل به نحو 10 سيدات بعد تدريبهن على تفكيك وإعادة تركيب المخلفات الإلكترونية بالتعاون مع خبراء من شركة «مايكروسوفت» التى ستعلن الشهر المقبل مبادرة بتقديم برامجها الأصلية مجانا لتحميلها على هذه الأجهزة. ويشمل هذا النوع من المخلفات الأجهزة الالكترونية كالحاسبات والهواتف وأى أجهزة أخرى تعمل بالتيار الكهربائى أو المجالات الكهرومغناطيسية التى انتهى عمرها الافتراضى وتلقى كنفايات، وتكمن خطورتها فى احتوائها على مركبات تدخل فى تكوينها مواد مثل الزئبق والرصاص الذى تصل كميته إلى 4 كيلو فى شاشة الكمبيوتر الواحدة، بالإضافة إلى المعادن الثقيلة مثل الكاديوم، «وهى كلها ملوثات قد تؤدى إلى أمراض خطيرة مثل السرطان، وتدمير الكبد، والجهاز العصبى»، كما يوضح مهندس حسام علام المدير الإقليمى لبرنامج القطاعات الإستراتيجية بمؤسسة «سيدارى» للتنمية البيئية. ويشير علام إلى أن ممارسة تدوير المخلفات الإلكترونية والكهربائية ليست بالأمر الجديد على مستوى العالم، بل إنها تحولت إلى توجه واسع المجال بدأت بعض الشركات الكبرى تركز عليه لاستخراج المواد الثمينة داخل هذه الأجهزة مثل الذهب، والنحاس، أو زجاج من أجود الأنواع، حيث تشير بعض الإحصاءات إلى أن الذهب المستخرج من طن هواتف محمولة قد يتجاوز أكثر من طن خام مستخرج من منجم، كما أن التكلفة تكون أقل بكثير. ولما فى هذه الأجهزة من مواد خطرة بقدر ما بها من مواد ثمينة، فقد خصصت جمعية روح الشباب مخزنا لتجميع القطع غير الصالحة للاستخدام فى انتظار تكوين حاوية كاملة يمكن تصديرها لإحدى الدول الأوروبية التى يوجد بها مصانع مخصصة لهذا الغرض يمكنها أن تستخرج المفيد منها والتخلص الآمن من المواد الضارة. ومع تنامى الاهتمام بالمخلفات الإلكترونية والكهربائية سواء لنفعها أو ضررها، تم توقيع بروتوكول تعاون بين وزارة الدولة لشئون البيئة، ووزارة الاتصالات لدراسة حجم مشكلة المخلفات الناتجة عن أجهزة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بالتعاون مع عدد من الشركاء فى هذه الصناعة، وشركات الاتصالات أو الشركات المعنية بإكسسوارات هذه الأجهزة. وفى إطار هذا الاهتمام صدر عن وزارة التجارة والصناعة قرارا بحظر استيراد أجهزة الكمبيوتر التى يزيد عمرها على خمس سنوات، مما يسهم فى تقليل حجم هذا النوع من المخلفات، كما تحظر قوانين وزارة الصناعة تماما استيراد الأجهزة الكهربائية المستعملة، خاصة أن هناك صناعات وطنية لها. ويوضح المهندس عادل الشافعى رئيس الإدارة العامة للمخلفات والمواد الخطرة بجهاز شئون البيئة أن هذا البروتوكول الذى تم توقيعه نتج عنه إنشاء أول شركة مصرية للتعامل مع المخلفات الإلكترونية والكهربائية لتقوم بتجميع أجهزة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات منتهية الصلاحية وتجديدها للاستخدام مرة أخرى أو إعادة تدوير أى مكون صالح منها لاستخدامه فى صناعات أخرى. «هذه المخلفات تمثل تحديا كبيرا فى رصدها وتحديد حجمها فى مصر، لكنها أيضا تمثل قيمة اقتصادية عالية عند إداراتها بأسلوب صحيح»، بحسب الشافعى الذى أكد أن مصر لديها قدرات جيدة للتعامل مع هذه الأجهزة. أحمد سالم مدير شركة المصرية لتدوير المخلفات الإلكترونية الأولى من نوعها فى مصر يوضح أن الشركة حاليا فى مرحلة رفع الوعى، وإطلاق مبادرة التكنولوجيا الخضراء لكل بيت لتشجيع الأفراد على التخلص من الأجهزة القديمة لديهم بتقديمها لشركات مثل شركته لإعادة تدويرها. يقول سالم «مصر بها كم هائل من أجهزة الكمبيوتر وشاشات CRT غير المستخدمة والتى تعد قنبلة موقوتة بسبب كميات الرصاص الهائلة بها.. الخبراء قالوا لنا أنتم محظوظون أن الأمطار ليست مستمرة لديكم وإلا تسرب هذا الرصاص للأراضى الزراعية أو مياه الأنهار». المشكلة التى تواجهها الشركة الجديدة وأيضا جمعية روح الشباب هى عدم توافر عدد كبير من الأجهزة التى يمكن الاستفادة منها فى هذا المشروع بسبب عدم وجود عدد كاف من الأجهزة سواء من الأفراد أو الشركات خاصة فى ظل قوانين العهد والمخازن بالشركات التى تمنع خروج أى أجهزة من المخازن إلا بإجراءات شديدة التعقيد. ولحل هذه المشكلة أشار سالم إلى أن الشركة ستعلن قريبا عن أماكن محددة يمكن تسليم الأجهزة القديمة بها مقابل الحصول على «كروت صرف» بمبالغ محددة تمكنهم من الحصول على أجهزة حديثة بأسعار أقل. واستطاعت المصرية للمخلفات الإلكترونية بالفعل إقناع عدد من الشركات بلغ عددها نحو 80 شركة بتسليم الأجهزة القديمة لديها، «لكننا لن نكتفى بهذا وسنحاول الوصول لأكبر عدد ممكن من الشركات والأفراد، وبعد ذلك قد تكون هناك مبادرة لاستخدام ما لا يصلح من هذه الأجهزة لإعادة الاستخدام فى توليد طاقة بديلة آمنة ونظيفة أسوة بما فعلته بلد مثل الصين من قبل»، كما يؤكد سالم. وفى هذا الإطار يشير مهندس حسام علام إلى أن هناك 3 قطاعات على الأقل هى البنوك وشركات البترول والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، يمكن أن توفر أجهزة إلكترونية وكهربائية بشكل مستمر لقيام الشركات فى هذه القطاعات بتجديد أجهزتها بشكل دورى. «من سنة صدرت إحصائية أوروبية أشارت إلى أن طن الموبايلات تنتج عنه أرباح بقيمة 7 آلاف يورو»، بحسب علام الذى يشير إلى أن أوروبا لديها صناعة كاملة قائمة على تدوير المخلفات الإلكترونية لما لها من عوائد اقتصادية ينتظر العالم العربى أن يستفيد منها.«