بالقرب من منطقة المحكمة بالتجمع الخامس تجتمع العديد من الأسر أيام الجمع لتبادل المعلومات حول الجديد فى عالم الكلاب، فهذه الحيوانات الأليفة هى إحدى مفردات الحياة هنا، خاصة بالنسبة لسكان الفيللات. وهى وسيلة للتعارف بين السكان الذين يخرجون قبيل صلاة الجمعة ليروحوا عن أنفسهم ويستعرضوا جمال وأناقة كلابهم. ربما كان اللقاء فرصة لتوفيق رأسين فى الحلال، فالبعض لا يفضل تزويج كلابه من خارج مجتمع «التجمع» الذى يتسم برقى الفصائل من «الجولدن ريتريفر» إلى «الرود فيلر» أو «اللابلادور»...، كما تقول سارة الطبيبة الثلاثينية. هل تغيرت عادات المصريين الذين كانوا لا يرحبون بوجود الكلاب فى المنزل لأنها تمنع دخول الملائكة كما دأب أن يردد البعض؟ تشرح فاتن المحاسبة الخمسينية أن الكلاب فى التجمع الخامس ومثيلاتها من الأماكن ليست مجرد وجاهة اجتماعية وإنما ضرورة أمنية: «نسبة الإشغال فى المنطقة التى أقطنها لا تتعدى ال20 فى المائة، فضلا عن أن أعمال التشييد تسير على قدم وساق، والمنطقة بها وجود عمالى كثيف، وبالتالى فإن وجود حراسة أمنية لمدة 24 ساعة أمر حتمى. الفيللا التى أقطن بها على سبيل المثال، لها أكثر من واجهة لذا فأنا أحتاج لثلاثة كلاب حراسة مدربة من فصيل الرود فيلر كى تؤمن المكان. هناك حارس لكنه لا يستطيع أن يغطى كل المساحة ويضمن تأمين المخارج، خاصة فى الليل. فالكلاب تشتم بسهولة رائحة أى زائر غريب، وهى مدربة على الهجوم بشراسة والفتك بالمعتدى إذا ما حاول إيذاء سكان البيت». هذه الكلاب مدربة على النوم صباحا والحراسة ليلا، كما أنها تستيقظ بسهولة إذا ما استشعرت أى دبة قدم. وتستطرد فاتن: «عندما أريد الخروج للحديقة ليلا لابد أن أصطحب معى أحد الكلاب، وعندما أكون داخل المنزل ليلا أفتح الكاميرات بمجرد أن يبدأ الكلب فى النباح لأراقب الموقف من الخارج». فاتن لم تكن تعرف الكثير عن الكلاب عندما كانت تسكن حى مدينة نصر، لكن عندما انتقلت للتجمع الخامس بدأت تغير نمط حياتها وأفكارها: «نحن أسرة متدينة، فقد أدى زوجى فريضة الحج لأكثر من سبع مرات وعندما شرعنا فى تربية هذه الحيوانات، قمنا بالاتصال بدار الإفتاء المصرية كى نحصل على فتوى تبيح تربية الكلاب، وإن كنت لا أسمح لها بدخول المنزل الذى نؤدى فيه الصلاة». قد يكون هذا الدور الوظيفى هو الذى يدفع أسرا كثيرة من قاطنى التجمع إلى تخصيص ميزانية ليست بهينة من أجل طعام وصحة حارسها الوفى. يتقاسم معتز ضابط شرطة عشرينى ميزانية إعاشة الكلب مع جيرانه الذين يقطنون معه الفيللا نفسها، فالكلب يؤدى لهم «خدمة عامة». ويوضح: «تصل تكلفة كيس طعام الكلاب إلى 120جنيها وتحتاج الكلاب إلى ثلاثة أكياس أى أن فاتورة طعام كلب واحد تبلغ أكثر من 400 جنيه شهريا». لا يتوقف الأمر عند هذا المبلغ، بل تحتاج الحيوانات إلى أنواع مختلفة من التطعيمات ضد السعار والجرب ومضادات حيوية كى تقيها من الحشرات، تقدر بمائتى جنيه سنويا. وأحيانا تفوق أثمان الدروس الخصوصية التى يحصل عليها الكلب لتدريبه على الحراسة ثمن أسعار الدروس الخصوصية للطلبة، فبينما تتراوح أسعار الدروس الخاصة للطلاب من 50 إلى 80 جنيها يصل سعر حصة الكلب إلى أكثر من مائة جنيه. هذه الدروس مهمة جدا للكلاب لأنها تدربها على المهاجمة وقت الحاجة، فضلا عن وجود دورات تدريبية لتعليمهم الطاعة وضبط النفس وأخرى لتعلم الأدب. ويختلف استيعاب كل كلب عن الآخر، كما يقول الضابط معتز الذى يربى هذه الحيوانات لأكثر من عشر سنوات: «الكلاب شأنها شأن الأطفال، فهناك كلاب تسجل أرقاما متقدمة على مقياس الذكاء وأخرى أقل ذكاء خاصة المهجنة، وبالتالى تحتاج لنفقات أكثر لتدريبها». ففى التجمعات الجديدة قد يكون الكلب هو أحد أضلاع مثلث الأمان إلى جانب الأسوار العالية وطاقم الحراسة البشرية، كى يعيش السكان دون خوف من مجهول قد يأتيهم من وراء الأسوار.