لو فتحت نافذة غرفتك، فكيف يا تري سيكون وصفك للمنظر الذي تراه يوميا وأنت تخرج من بيتك إلي العمل، وترجع إليه بعد عناء وجهد تحصيل الرزق، ومن ثم تفكر قليلا في حياتك، وأسأل نفسك: هل أنا فعلا أشعر بطعم هذه الحياة؟! لقد أصبحت حياتنا مجردة من الحياة، فلا الشارع ينطق بها، ولا الفرد يتمتع بهذه الحياة، وطغي الروتين علي يومنا الحافل، وانتهي اليوم قبل أن ينتهي، بدخولنا إلي منزلنا، وفتح التليفزيون أو استخدام الإنترنت. لقد بعدنا كل البعد عن تجمع الأهل والأصدقاء والمعارف، ورمينا كل التبعات علي عصر العولمة والحداثة المجتمعية، بينما نحن من نصنع شقاءنا بأنفسنا، فلا هي الحياة الحضرية الحديثة ولا العولمة تجعل الإنسان لا يتمتع بطعم الحياة. أصبحت الشوارع خالية من الخضرة إلا في الأماكن العامة، ولكننا لا نسكن في الأماكن العامة، لذلك لا نجد شيئا يشعرنا بنبضها وجمالها وإذا كنت من سكان الإسكندرية فإنك لا تستطيع أن تري البحر بالعين المجردة! حتي الأطفال دمرناهم داخل البيوت، فكل الذي يمارسونه من هوايات، لا يتعدي أجهزة إلكترونية، تضغط علي أعصاب المخ، وتسرح بهم في عالم الجريمة والعنف، وتزيد نسبة السمنة في بلادنا. لقد كانت البيوت قديما تضج بالحياة، فتشاهد الأسر الممتدة تمتد علي كبر المنطقة، وداخل البيوت تجد الجيران والأحباب متي تشاء، وكذلك الشجر والزرع ينتشر في كل مكان من أرجاء البيت، حتي تظن بأن هناك منقيا للهواء وضع من أجل راحة أصحاب هذا البيت! كما أن وجود الحيوانات الأليفة كالغنم والبقر والأرانب والقطط والكلاب في الريف منظر يدل علي الحياة، ويزيدنا رحمة، ونحن أهل الإسلام أو من يجب أن يكون عندنا رحمة بالحيوان، إلا أن الوضع تغير في عصر دولة المدن، فالأطفال لا يمسكون بالحيوانات ولا يلعبون معها، وما ان تمسك حيوانا لتجعل ابنك لا يخاف، تتفاجأ بالصراخ والهلع والتوتر، خشية من هذه الحيوانات الأليفة! وإذا ذهبت إلي المطاعم في أي وقت فستجد مظاهرات الناس للحصول علي مقعد ومائدة فلقد قل الاهتمام بالطبخ داخل البيوت، وأصبح الكسل يغطي الجو العام حتي في الأكل، لذلك انتشرت المطاعم بكثرة في أرجاء مصر..! وفي لقاء مع إحدي الأجنبيات الجديدات علي عالمنا، أخذنا نسألها عن رأيها في مصر فقالت لنا ملاحظة حزينة جدا، بانها منذ قدمت تفاجأت بكثرة اهتمام الناس بالأكل وبعدهم عن الرياضة والمشي، ففي كل زاوية هناك مطعم وناس حوله، وانها سمعت عن المسلمين الرحمة وحب الكائنات الحية، إلا أنها لم تجد أيا من ذلك ولم تلمسه! لقد تغيرت حياتنا بتغير أعمالنا عما كانت عليه في السابق من بساطة، فكلما تعقدت بعدنا عن الحياة التي يجب أن نحياها، وأصبحنا لا نتذوق طعمها، وللأسف نحن من قمنا بتغذية ما آلت إليه الأمور، وإذا كنا نريد السخط علي أحد، فيجب علينا أن نسخط من أنفسنا أولا، لابتعادنا عن أوجه بسيطة تجعلنا نستشعر جمال هذه الحياة.