فى مسجد أبى خليل بالزقازيق يصلى بعض المريدين فى اتجاه ضريح شيخهم عكس القبلة المريد يعترف بأنه يخاف غضب شيخه وأن نظرة رضا من شيخه تفرحه أيامًا وشهورًا يعتقد الصوفيون أن الأدعية جاءت من النبى (صلى الله عليه وسلم) و«من الوحى الذى يأتى للشيوخ» هم أكثر من 8 ملايين مصرى فى أقل تقدير، أو ربما 15 مليونا كما تذهب بعض الإحصاءات، صعدوا إلى عناوين الإعلام فى الأسابيع الأخيرة، بخلافات داخلية بين شيوخ الطرق، أو بعناوين ساخنة عن «توتر» فى علاقتهم بوزارتى الأوقاف والداخلية. تربطهم جميعا كلمة «الصوفية»، وتميز بينهم بأسماء مختلفة لكل طريقة، لها علمها وألوانها وطقوسها العلنية، وأيضا بالكثير من الأسرار. أسرار الصوفية تبدأ من «العهد» الذى يقطعه المرد على نفسه أمام معلمه وشيخه، وتستمر إلى بعض الشعائر والأوراد الخفية، التى تحرم الطرق الصوفية الإفصاح عنها، كما تمنع تدوينها بالكتابة، حتى لا تتسرب خارج الطريقة. لكن علاقة الطرق الصوفية بالمال والسلطة تبقى سر الأسرار. «الشيوخ أغنياء لأنهم يستعينون بالجن فى جلب الأموال»، هكذا يفسر المريدون الطيبون الثراء غير العادى لبعض الرؤساء. «أمن الدولة يتابعنا من أجل حماية الطرق الصوفية من المخربين واللصوص»، هكذا يرى الصوفيون أسباب تدخل الأمن فى كل تفاصيل حياتهم، من إصدار بطاقة العضوية بالطريقة، إلى طلب معانى بعض الأوراد الغامضة، وربما يصل الأمر بالشرطة إلى طلب طرد بعض المريدين من الطريقة، دون إبداء الأسباب. فى هذا التحقيق نقترب من العالم الصوفى ببنائه الداخلى الفريد، وعلاقاته مع المجتمع والسلطة، من خلال رحلة الشيخ أحمد مسلم، طالب الأزهر وقت دخوله إحدى الطرق، ووكيل العلوم الشرعية بالأزهر حاليا عصر شتاء بارد عام 1981، كان أحمد مسلم الطالب الجامعى يشعر بالجوع والإرهاق الشديد، وليس فى جيبه نقود تكفى مواصلاته من مكان دراسته فى طنطا إلى بيته فى الإسكندرية. يجلس الرجل الخمسينى الآن على مقعده المفضل بالنادى الأوليمبى بالإسكندرية. يرتشف فنجان القهوة، ويسترجع تفاصيل تلك الليلة كأنها حدثت الأمس. «ما لقيتش قدامى غير إنى أروح لمقام القطب والغوث السيد أحمد البدوى». هناك شرع فى الصلاة والتوسل والدعاء، عله يجد لأزمته مخرجا. العاشرة مساء، توجه أحمد إلى موقف الميكروباص، يراقب السيارات دون أن يجرؤ على الركوب. ساعة ونصف مرت، وأحمد يشعر باليأس الشديد، إلا أنه فجأة وجد ورقة يطيرها الهواء لتستقر على صدره. «فكرت أرمى الورقة، بصيت عليها لقيتها 100 جنيه. 100 لانج محدش مسكها». يقول أحمد إنه شعر بالذهول الممزوج بالفرح، ليقرر أن يرجع إلى مقام البدوى يصلى شكرا، «وهناك قابلت أحد المجاذيب اللى بص لى وسألنى: الأمانة وصلت؟»، فرد عليه بالإيجاب، «لكن كنت بقول فى نفسى يمكن الرجل بيقول أى كلام»، عندها فاجأه المجذوب بأنه يعلم جيدا ما يدور فى عقله، ليعاوده السؤال «الشك لسه جواك برده؟ لما ربنا يكرمك ابقى هاتهالى علشان يخدها غيرك». تتسع ابتسامة أحمد ويزداد انفعاله ويردد «سبحان الله» أكثر من مرة، قبل أن يستكمل الجزء الأكثر إثارة فى قصته، «ما حكيتش اللى حصل لأى حد خالص وفضلت محتفظ بالقصة سر، لكن بعد يومين لقيت شيخى فى الطريقة بيسألنى: فاضل كام من المية جنيه النفحة اللى وصلت لك؟». يقول أحمد إن الشيخ طلب منه أن يعيد 100 جنيه للمجذوب، فهى نفحة عليه أن يردها حتى يستفيد بها غيره. كيفية معرفة الجد بالحادثة، «فدى حاجة كانت حتخلى فيوزات مخى تضرب، إنها بصيرة الشيخ ولا تفسير غير ذلك». أحمد مسلم، وكيل العلوم الشرعية بالأزهر، وخليفة خلفاء الطريقة الصوفية الرفاعية فى الإسكندرية وكفر الدوار سابقا يسترجع ذكرياته منذ دخوله الطريقة وحتى قراره بالانفصال عنها بعد عشرين عاما كاملة. «من زار الأعتاب عمره ما خاب»، حكمة عن فضل زيارة آل البيت سمعها وحفظها أحمد مسلم، وكيل العلوم الشرعية بالأزهر، وخليفة خلفاء الطريقة الصوفية الرفاعية السابق بالإسكندرية وكفر الدوار. «الطرق الصوفية اختلط فيها الحابل بالنابل، والصالح بالطالح»، ومثلما كانت زيارة أضرحة آل البيت وأولياء الله الصالحين وشيوخ الطرق بداية لدخول أحمد الطريقة، فإن الاختلاف حول آداب الزيارة ومغزاها كان أحد الأسباب التى دفعته بعد أكثر من 20 عاما لأن يقلل من علاقته الرسمية بالطريقة، مفضلا الانعزال عن المريد الرسمى والتعبد مع نفر قليل من أتباعه. صلوات واستغفارات المكاشفات عهد الطاعة للشيخ امتحان الصدق الترقى والسمو التعامل مع الأمن الخروج من الطريقة