فى عام 2006، أعلنت إدارة بوش أن الصومال هى آخر جبهات الحرب ضد الإرهاب: إذ كانت هناك شكوك حول قيام الحركة المتنفذة الجديدة، اتحاد المحاكم الإسلامية، بدور المضيف لمنظمة القاعدة هناك. وعندما استولى هذا الاتحاد على العاصمة فى يونيو من عام 2006، حاولت الولاياتالمتحدة تملق المعتدلين داخله حتى يدخلوا فى حوار مع الحكومة الرسمية فى الصومال، وهى مؤسسة ضعيفة تم نفيها عن العاصمة. فى ديسمبر من العام نفسه (2006)، عندما بدت المحاكم الإسلامية على وشك إسقاط الحكومة بالكامل، أقنعت أثيوبيا المجاورة مسئولى الولاياتالمتحدة بأن السماح للمحاكم بالسيطرة على الصومال يعادل إحكام تنظيم القاعدة قبضته على البلاد. وهكذا، تحرك الجيش الإثيوبى إلى داخل الصومال من أجل حماية الحكومة المفتقرة إلى الشعبية، ومولت الولاياتالمتحدة خلال العامين التاليين احتلالا وحشيا. واليوم، لا مجال للشك فى أن هذا كان خطأ مأساويا. ومن أجل الدفاع عن الحكومة العاجزة عن أداء وظائفها، مارس الجنود الإثيوبيون أعمالا وقتلوا واغتصبوا بلا هوادة. وأدى الشعور بوقوف الولاياتالمتحدة إلى جانب إثيوبيا والاتحاد الأفريقى إلى تدويل الصراع. وأتيح لمنظمة القاعدة فى النهاية الفوز بموطئ قدم فى البلاد التى أعلنت الاستخبارات الأمريكية عام 2007 أنها «محصنة» ضد كل أنواع الحركات المتطرفة الدخيلة عليها. واليوم لسوء الحظ، تميل الولاياتالمتحدة لتكرار خطأ سابقتها. الوضع الآن شديد الشبه بما كان عليه فى عام 2006. فقد رحل الجنود الإثيوبيون، لكن مازال النظام الذى قدموا له الحماية هناك، وهو ما يعرف بالحكومة الفيدرالية الانتقالية، حيث يحميه الآن 6000 جندى من قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقى. ومثلما فعل الإثيوبيون قبلهم، يوقع جنود الاتحاد الأفريقى من أوغندا وبوروندى آلاف الضحايا المدنيين، ويقصفون الأحياء السكنية فى مقديشو دون تمييز. واليوم يقع معظم الجنوب الصومالى تحت سيطرة طغمة غوغائية من المراهقين المتطرفين المعرفين باسم «الشباب»، يأخذون توجيهاتهم من القاعدة بصورة واضحة، ويدعون بفخر مسئوليتهم عن هجوم بداية هذا الشهر الذى أسفر عن قتل 76 شخصا فى أوغندا. لا يمكن لأى طرف من البيت الأبيض إلى الاتحاد الأفريقى تصديق أن هذه الحكومة الانتقالية غير الفعالة لديها أى أمل فى حكم الصومال. وخلال جولة الاقتتال الداخلى الأخيرة، أطيح برئيس البرلمان، وأطلق النار على رئيس الوزراء (ورفض التنحى رغم ذلك)، وبعدها بقليل استقال وزير الدفاع، متهما الحكومة ليس بعدم الكفاءة فحسب، بل بمحاولة اغتياله كذلك. رغم ذلك، وخلال 18 شهرا مضت، درب المجتمع الدولى نحو 10 آلاف جندى صومالى من أجل دعم هذه الحكومة، وسلحوهم على نفقة دافع الضرائب الأمريكى. وقد توجه بالفعل سبعة أو ثمانية آلاف من هذه القوات إلى الصحراء، حاملين معهم بنادقهم الجديدة. وفى الواقع، يعتبر جيش الصومال المدعوم من الغرب مصدرا أساسيا للأسلحة والذخائر بالنسبة لمنظمة القاعدة، وفقا لمجموعة الرصد التابعة للأمم المتحدة. وهناك طرق أفضل أمام الولاياتالمتحدة لمنع ظهور الجماعات الإرهابية فى الصومال. وربما تكون استراتيجية «فك الارتباط البناء» حيث سيخرج المجتمع الدولى نفسه من السياسة الصومالية، غير أنه سيواصل تقديم المعونة التنموية والإنسانية، والقيام بغارات القوات الخاصة ضد الإرهابيين بين الحين والآخر كافية لسحب البساط من تحت أقدام «الشباب.» فهذه الجماعة، التى يقودها غالبا إرهابيون دخلاء قدموا حديثا من ساحة القتال فى أفغانستان وباكستان والعراق، منقسمة داخليا ومكروهة فى الصومال. جندت حركة الشباب آلاف الأطفال الصوماليين فى ميليشياتها وتستخدمهم فى فرض أيديولوجيا دخيلة بصورة وحشية على الشعب الصومالى المعتدل فى تدينه. ويتحمل «القضاة الأطفال»، كما يطلق عليهم، مسئولية الكثير من أسوأ انتهاكات «الشباب» لحقوق الإنسان، بما فيها الرجم بالحجارة وبتر الأطراف. والسبيل الوحيد لازدهار الشباب، أو حتى النجاة على المدى الطويل، هو أن يجعلوا أنفسهم بديلا للحكومة الانتقالية وقوات حفظ السلام. وإذا لم يقدر على الشعب الصومالى على التصدى لهذا الخيار الكئيب، فسوف يخوض الآلاف من أفراد ميلشيات العشائر والشركات فى نهاية الأمر حربا ضد أحكام الشباب الدينية القمعية وضرائبهم. (يعتبر العجز عن الحكم فى الصومال نقمة ونعمة لها) ودون معركة ضد قوات حفظ السلام تؤدى إلى توحيدهم، من المرجح أن ينقسم الشباب إلى فصائل قومية وفصائل متعدية للقوميات. لماذا سمحت إدارة أوباما باستمرار هذه المهزلة العنيفة؟ باختصار، لقد وقعت فى الفخ نفسه الذى وقعت فيه إدارة بوش؛ إذ قالت الإدارة إنها لا تستطيع التراجع، حيث كانت واقعة تحت تأثير بلبلة ناتجة عن قلق لا مبرر له من أن سحب الجنود سيسمح لمنظمة القاعدة بالتحكم فى الصومال. وعلى العكس، لم يكن بمقدور الإدارة فعل شىء آخر سوى ذلك. حيث إن تحقيق استقرار الصومال بشكل حقيقى عن طريق القوة سوف يتطلب 100 ألف جندى. فى حين أن وضع بضعة آلاف أخرى فى الميدان وهو ما أعلن الاتحاد الأفريقى أنه سيفعله لن يزيد سوى العنف فحسب. وربما يستدعى الأمر كذلك إرسال جنود من إثيوبيا أو الدول المجاورة الأخرى، وسوف يدعم هذا أفضل حجة لدى «الشباب» فى الحصول التأييد الشعبى. وحيث إن مشروعات إرسال مزيد من الجنود إلى الصومال لن تنجح دون دعم أمريكى، فإن إدارة أوباما فى مفترق طرق مهم. ومن الضرورى أن تقاوم إغراء السماح بأن يعيد التاريخ نفسه. بدلا من ذلك، يجب على الولاياتالمتحدة التفاوض مع العناصر المعتدلة داخل «الشباب»، فهى على الأحوال ليست حركة متجانسة. وقد تحدث المتطرفون من كينيا وأفغانستان وأرض الصومال وأماكن أخرى علنا باسم الجماعة. لكن الشباب تضم كذلك كثيرا من القادة الدينيين الصوماليين أنفسهم الذين سيطروا على اتحاد المحاكم الإسلامية فى عام 2006، وهم من ساعدتهم إدارة بوش ذات مرة على التسلل إلى الحكومة الانتقالية. وبعض هؤلاء القادة متطرفون، وفكرة التحدث إليهم ليست مستساغة. لكن الولاياتالمتحدة يمكنها، وينبغى عليها، التفاوض معهم بشكل مباشر. سوف يلقى هذا المسعى معظم الصوماليين الذين يئسوا من التخلص من المتطرفين الأجانب. ويعد هذا أفضل بديل لتصعيد العنف وتقوية جانب الشباب