في الوقت الذي تهتم فيه الشركات الاستثمارية ببناء المنتجعات السياحية على شواطئ البحر المتوسط والساحل الشمالي والعلمين، مازالت مئات الألغام مختبئة، تنتظر لتفتك من يقترب منها منذ أن زرعتها قوات الجيوش الأجنبية في موقعة العلمين أثناء الحرب العالمية الثانية عام 1942. يقول جاك شينكر في صحيفة "الجارديان" البريطانية إن المصريين يشعرون بالتهميش والخيانة، لأن هذه المنتجعات السياحية التي تتباهى بها الحكومة كواحدة من ضمن إنجازاتها لا تعود بالنفع على معظم المصريين، خاصة البدو الذين يعيشون في الصحراء الغربية والمدن القريبة من ساحل المتوسط، بينما لا تهتم الحكومة بضحايا الألغام ولا تساعدهم. والمشكلة في الألغام المزروعة منذ أكثر من 70 سنة، أنها تحكم على المنطقة الزاخرة بالثروات بالركود الاقتصادي، كما أنها تحصد العشرات من المصريين الأبرياء كل عام، وهؤلاء الضحايا يحاربون في جبهتين، يحاربون السلطات المصرية التي لا تهتم بهم، والحكومات البريطانية والأوروبية عموما التي تتجاهل مسئوليتها عن وجود كل هذه الألغام التي خلفتها ورائها بعد الحرب. وقد أعلنت وزارة التعاون الدولي تخصيص ميزانية قدرها 10 مليار دولار لوضع خطة تهدف إلى زيادة عدد السكان في المنطقة من 300 ألف نسمة إلى مليون ونصف نسمة، وزيادة فرص العمل إلى 400 ألف فرصة، في محاولة لتخفيف الضغط السكاني على وادي النيل. لكن كل هذه الخطط العظيمة التي بإمكانها استصلاح حوالي 13 ألف متر مربع من الأراضي الخصبة، والترويج لأفضل المناطق السياحية في العالم، تظل بلا قيمة، طالما بقيت الألغام مزروعة في الصحراء الغربية والساحل الشمالي والعلمين. وقد أدت مسألة نزع الألغام إلى إشكالية كبيرة بين الحكومة و البدو الذين يعتقدون أن إزالة الألغام المحدودة تهدف إلى منح الفرصة لشركات البترول وأصحاب المنتجعات السياحية للاستثمار واستغلال ثروات المنطقة، بدلا من الحفاظ على أرواح البدو. وتقول الحكومة إن السبب في ذلك هو ضعف التمويل، لهذا تلجأ إلى بيع المساحات الخالية من الألغام تجاريا، للاستفادة إنسانيا من المال وإخلاء مساحات أكبر في المستقبل. على الجانب الآخر، يعترض أحمد قاسم أحد البدو، الذي فقد أخويه وابن عمه في انفجار لغم عام 1981، وتساءل لماذا لا تأتي السلطات لإخلاء المنطقة حول منزله ومنازل الآخرين من الألغام، فالأهالي لا يعلمون أين تختبئ تلك الألغام ولا متى ستفتك بهم، كما أن الحكومة المصرية لا تعوضهم بأي شيء حين يفقدون أفراد عائلتهم بانفجار لغم، أو حين يفقدون أطرافهم. ويقول قاسم إن الحكومة قامت بإخلاء منطقة صناعية تابعة لشركة بترول بأكملها منذ سنوات، وهذا يوضح أن الاهتمام مقتصر على المكاسب المادية دون الاهتمام بأرواح المواطنين، وأضاف أنه غاضب أكثر من الحكومة البريطانية لأنها لم تعرض المساعدة في إخلاء المنطقة من الألغام التي تركها الجيش البريطاني وراءه بعد الحرب العالمية الثانية، ليعاني منها المصريون حتى اليوم، دون أدنى ذنب. ورغم أن الحرب العالمية الثانية كانت على أرض مصر، إلا أن مصر لم تكن طرفا فيها. فقد كانت بين جيوش المحور والحلفاء الذين التقوا في العلمين وانتهت الحرب بانتصار الحلفاء في النهاية في أهم موقعة في الحرب العالمية الثانية (1939-1945).