قبل وفاة الناقد الكبير فاروق عبدالقادر بيوم واحد، وتحديدا بعد إعلان فوزه بجائزة الدولة للتفوق فى الآداب، تساءل كثيرون: هل كان فاروق عبدالقادر فى احتياج للاعتراف بتفوقه، كى يعطوه جائزة التفوق؟.وردد البعض «لو أن هذا هو ما شجع القائمين على الجائزة لمنحه إياها فهذه مصيبة كبرى؛ لأن الثقافة العربية اعترفت له بالتفوق والتقدير منذ سنوات بعيدة. حيث حصل على جائزة العويس للآداب قبل أسماء كبيرة فى الوطن العربى». وزادت حالة الاستياء بعد خبر وفاته الثلاثاء الماضى، «إذا كانت الدولة قد رأت أن منحه جائزة التفوق يعد أحد أشكال المساعدة فى محنة مرضه فهذه مصيبة أخرى، لأن رجلا مثله كان لابد من مساعدته بما يليق به».وتجاوزت التعليقات مرحلة الاستياء إلى غضب الذين قالوا: «المفترض أن هناك عددا من المصوتين كانوا على علاقة وطيدة بالراحل الكبير، ويعرفونه ويقدرونه حق قدره، أليس من الأولى بهم أن يدافعوا عن غيبته، ويرفضوا هذه المهانة؟. هذه الأقاويل، تحدثنا فيها مع الدكتور عماد أبوغازى أمين عام المجلس الأعلى للثقافة، وحملت إجابته مفاجأة كبيرة، لأنه أكد أن فاروق عبدالقادر هو من تقدم بنفسه إلى جائزة التفوق، حيث أرسل الطلب موقعا منه شخصيا، موضحا أن لائحة الجائزة لا يوجد بها ما يسمح بأن يقدم لها شخص ما، وأن التقدم لجائزة التفوق لا يأتى إلا عن طريقين: الأول هو أن يتقدم الشخص بنفسه، وهو ما حدث فى حالة فاروق عبدالقادر، والثانى هو أن يرشح من قبل جهة ما. ولكن هل الحالة الصحية لفاروق عبدالقادر كانت تسمح بأن يتقدم بنفسه إلى الجائزة؟ يجيب أمين عام المجلس الأعلى للثقافة: «التقدم للجائزة يبدأ فى شهر أكتوبر وينتهى فى ديسمبر، وفى هذا الوقت لم يكن الناقد الكبير دخل فى مرحلة الغيبوبة، وكان واعيا لما يفعله تماما». وأضاف الدكتور عماد أبوغازى أن «كلنا نعلم أن فاروق عبدالقادر يستحق جائزة الدولة التقديرية، وليست التفوق فقط، ولكن لائحة الجائزة التقديرية تقتضى بأن ترشحه لها جهة من جهات التصويت، وهو ما لم يحدث، وهناك كتاب كبار كثيرون غير عبدالقادر، يستحقون التقديرية، ولكنهم لم يرشحوا لها، فتقدموا لجائزة التفوق ونالوها». كلام الدكتور عماد أبوغازى، يجعلنا أمام حيرة شديدة، فمع كامل احترامنا لجائزة التفوق، وللقائمين عليها، وللأسماء التى أخذتها عن استحقاق، أو غير استحقاق، فهى غير مناسبة على الإطلاق لاسم فاروق عبدالقادر، وتصريحات أبوغازى حول إن عبدالقادر هو من تقدم لها بنفسه، تجعلنا نندهش ونتساءل، ما الذى يجعل الراحل الكبير يرضى لنفسه بجائزة أقل بكثير من اسمه، وهو من عرف عنه إصراره على الاستقلال، والاستغناء طوال الوقت، لدرجة جعلته أشبه بالضمير الحى أمام كل من باعوا أنفسهم فى مقابل منحة من أى نوع. هل ما طرحه البعض صحيح؟ وأن الرجل اضطر للتقدم إلى الجائزة، لاحتياجه تكاليف العلاج؟. نعرف أن وزير الدفاع وافق على علاج ناقدنا الكبير بمستشفى المعادى للقوات المسلحة مجانا، ولكن هذا الكلام حدث مؤخرا، بعد أن ساءت حالته للغاية، وتنقل بين عدد من المستشفيات، وبيت للمسنين. أحد أعضاء المجلس الأعلى للثقافة، ممن لهم حق التصويت على الجائزة، قال ل«الشروق»، رافضا ذكر اسمه: إنه كان فى غاية الدهشة، من محاولات الدكتور جابر عصفور قبل بداية التصويت، التأثير على الأعضاء، وحثهم على التصويت لصالح فاروق عبدالقادر، بحديثه عنه، وعن قيمته الأدبية الكبيرة، وهو كلام مقبول، وموقف إنسانى من عصفور، ولكنه أيضا يطرح تساؤلا مهما: لماذا لم تتذكر الدولة القيمة الأدبية لفاروق عبدالقادر إلا فى هذه اللحظات، أم أن تحفيز عصفور جاء من منطلق اتفاقه مع الراحل فى الدفاع عن القيمة الأدبية للأعمال الروائية أمام انتشار ثقافة «الأفضل مبيعا»؟! لا نفترض أن تكريم الراحل كان لابد وأن يكون عن طريق الجائزة التقديرية، حتى وإن لم ترشحه جهة ثقافية، ولكن كانت هناك مئات الطرق لتكريمه، بشكل يليق به، ولكن يبدو أن القدر يصر على سخريته، وعلى أن ترتبط جائزة التفوق بالمرضى والمتوفين، من أمثال عبدالقادر، ويوسف أبورية، وقبلهما نعمات البحيرى.