رغم انتماء الأعمال المعروضة لمدارس عديدة، ما كان لها أن تتفق أبدا، إلا أنها جاءت متسقة، ومريحة للعين. تجولك فى قاعة العرض يشعرك بأنك تنتقل على سطور الزمن، لترى تطور مراحل الحركة التشكيلية المصرية عبر نحو قرن من الزمان.لذا لم يكن انبهار زائرى هذا المعرض بسبب وجود أسماء كبيرة ومعروفة فى عالم الفن التشكيلى فقط، ولكن لأن قائمة الأعمال المشاركة ضمت توليفة من عظماء الأجيال المختلفة. بدءا من رواد الجيل الأول، الذين عبروا عن النضال الوطنى فى العشرينيات، وابتعدوا عن كل ما هو أجنبى: محمود مختار ومحمود سعيد ومحمد ناجى وراغب عياد، مرورا بعبدالهادى الجزار، وهو من جيل تالٍ كرس له حسين يوسف أمين بعد أن عاد إلى مصر فى الثلاثينيات، متأثرا بتقدم الفن التشكيلى الأوروبى، مهموما بحال الفن المصرى وانسياقه وراء الحركات الغربية فى الثلاثينيات التى شهدت توجها عكسيا بسبب تأثر بعض الفنانين المصريين بنظرائهم الأوروبيين. وقبل دخولك للمعرض الذى نظمته مؤخرا شركة «سوديك» للتنمية العقارية، ومؤسسة «AC&C آرت كوراتوز آند كونسالتنس» صاحبة المقتنيات، تستكمل قائمة الفنانين لتقرأ أسماء بحجم سيف وانلى وحسن سليمان وجاذبية سرى وآدم حنين وعادل السيوى. على يمين القاعة، خصصت مساحة لعرض الأعمال الأقدم، تدخل، فتشعر أنك عدت إلى أوائل القرن الماضى، «فلاحة» محمود مختار المصنوعة من البرونز تخطف عينيك، قبل أن تصل لأذنك شهقة إعجاب بتمثال رائع نحته صاحب «نهضة مصر» لسيدة تلملم جلبابها كى لا يبتل من المياه المفترضة التى تسكبها من بلاصها البرونزى أيضا، مشهد مصرى صميم، يتباين بشكل ما مع اللوحة المعلقة خلفك مباشرة، والتى رسمها أدهم وانلى ببراعة تجعلك تعرف على الفور أن الموسيقى التى يرقصون عليها سريعة الإيقاع، على عكس تلك اللوحة التى رسمها شقيقه سيف وانلى لعازف البيانو الذى تلمح بسهولة رشاقة أصابعه على مفاتيح آلته البديعة، الهادئة. تستعيد أياما مضت عندما تمر بلوحة محمود سعيد لتلك السيدة ذات الرداء الأسود، ويظهر جمالها رغم «البيشة» التى انتشرت أيام كان احتشام الروح يسبق احتشام الجسد.. وبالطبع كانت لوحات سعيد محط اهتمام الزائرين، خصوصا بعد بيع لوحته «الشواديف» مؤخرا بأكثر من مليونى دولار، تتأمل أعماله فيتأكد لك أنه بالفعل لم يخرج عن الروح المصرية، فهذه سيدة راح جمالها يتوارى خلف علامات الشقاء التى نحتها الهم، وأكدتها السنين، وهذا مركب يمر بمن عليه فى النهر الذى تناثرت على ضفتيه بيوت الفلاحين يضللها النخيل. مهلا.. لم تنته الرحلة داخل المعرض، أليست هذه «وجوه» عادل السيوى التى أبهرت المشاهدين داخل وخارج مصر؟. نعم هى وجوهه التى لا تكفيك نظرة عابرة عليها، فهى تستحق التأمل، بما فيها من حزن وفرح وسخرية وجدية وأريحية وحنق وغضب، مشاعر تنتابك كلها فى يوم واحد، بل ساعة واحدة.. تستعد للخروج من القاعة بعد هذه الجولة الفنية الدسمة، ولكن يأبى القدر أن تذهب دون أن يكون فى صحبتك إلى الباب شخصية مهمة جدا، سيدة الغناء العربى «أم كلثوم» التى نحتها باقتدار آدم حنين، صاحب المشروع العملاق «سفينة آدم» التى حملت أغلب منحوتاته، وكان مقرها حديقة منزله البديع الذى بنى على طريقة حسن فتحى فى الحرانية، قبل أن يهدمه يأسا فى إنقاذه من المياه الجوفية.