بين مؤرخى ثورة 23 يوليو الذين وضعوا رؤيتهم لتاريخ مصر المعاصر فقدموا أحداثا، وتناسوا إيجابيات، وضخموا سلبيات، ولكنهم كونوا رؤية لتاريخ مصر تستحق أن نقف عندها كثيرا، وبين مؤرخى الأسرة العلوية الذين أعطوا هذه الأسرة أكثر مما تستحق وتناسوا تاريخ الشعب، لكنهم لديهم رؤية أيضا تستحق أن نقف عندها؟ بين هؤلاء وهؤلاء هناك مؤرخون محايدون قيموا أحداثا، وحاولوا الوصول إلى الحقيقة، لكن يبقى أن التاريخ المصرى المعاصر تائها بين أنصار هؤلاء وأنصار هؤلاء، ولا يوجد من يحلل الحدث ويركب القصة التاريخية من عدة معطيات. إن الوعى بالتاريخ لا يحدث عادة إلا عند الأمم التى تسعى إلى التقدم، وإذا أرادت مصر التقدم فعليها أن تفتح نقاشا حول تاريخها المعاصر بإيجابيات وسلبيات الماضى، وطرح تساؤلات حول وضعنا اليوم فى ضوء معطيات الماضى، إذ لا مستقبل دون وعى بالماضى. ونحن نعلم أن التاريخ يبدأ عندما ينتهى الفعل، والفعل هنا هو انتهاء حقبة 23 يوليو. وبالتالى نحن أمام مرحلة لتقييم هذه الحقبة خصوصا أن مصر فى فترة انتقالية بين هذه الحقبة والحقبة التالية لها، لذا فنحن فى أمس الحاجة إلى الوعى بالتاريخ لاستقراء المستقبل، خاصة أن من يعملون على مناهج دراسة التاريخ يعرفون جيدا نسبية المعرفة التاريخية، مع العلم أن الهم التاريخى حاضر فى أى صراع، فالمؤرخ يكتب لكى يحول واقعة زائلة إلى أثر لا يفنى فقصة حرب قد تتحول على يديه إلى درس أزلى، كحرب 1967 التى تعد أكبر هزيمة عسكرية لحقت بمصر فى العصر الحديث والمعاصر، التى حاول البعض تجاوزها بحرب الاستنزاف وحرب أكتوبر ثم بمعاهدة السلام. لكن فى حقيقة الأمر أن مصر لم تتجاوزها بعد، إذ مازالت آثارها قائمة، من تراجع مصر وعدم استيعابها الأسباب الحقيقة وراء الهزيمة (حتى الآن)..!! هذه الأسباب أبعد ما تكون عن كونها أسبابا عسكرية، إذ صار من المتفق عليه أن الجيش المصرى لم يخض أصلا حربا فى العام 1967، لكن كانت الهزيمة لمن أداروا هذه الحرب، التى نتجت عنها نتائج كارثية، هذا يقودنا إلى القول بأنه بقدر ما يبتعد المؤرخ المحترف عن السرد والتقرير إلى النقد والتحليل بقدر ما ينتج قصصا تاريخية تستجيب إلى حاجة المجتمع لهذا التاريخ. لذا فإن هناك فارقا بين الإنتاج التاريخى للباحثين كى يتداولوه وبين إنتاجهم لتنمية الوعى (الجماعى) للأمة، وفى الحالة الأخيرة لابد أن يتحلى التاريخ بروح القصة التى تصاحبها الصورة والتحليل لكى يلقى هذا التاريخ قبولا لدى المجتمع ويدرك من خلاله طبيعة الشخصية الوطنية لهذه الأمة. فهل حان الوقت لكى نسأل أين تاريخ مصر؟