... وتخطو السيدة الفاضلة قرينة الرئيس خطوة جديدة على طريق التثقيف والتنوير... كانت خطوتها الأولى، التى لا يمكن لأحد أن ينساها أو ينكرها «مشروع القراءة للجميع»، الذى يتجدد كل عام دون انقطاع. وتأتى مبادرتها الجديدة لتوثق التاريخ النيابى والسياسى لمصر من عهد محمد على إلى نهاية حكم السادات، وتؤرخ لرموزها فى الفكر والفنون والآداب عبر شبكة الإنترنت. وإلى أن تتيسر لى قراءة مشروع «ذاكرة مصر المعاصرة»، أو يُقرأ لى لمرض عينى، أتمنى أن يتضمن بأمانة ودون إخفاء للحقائق كل الأحداث التى وقعت على امتداد هذه المساحة الزمنية فى تاريخ مصر الحديث، وما دار حولها من رؤى متباينة. أعتقد أن المشروع قد سجل كل ما وقع خلال هذه الفترة دون تجاهل لحدث أو تستر على نقيصة أو سلبية. أتصور أن مشروع «ذاكرة مصر المعاصرة» عندما أرّخ لمحمد على قد سجل أن هذا الجندى الألبانى، المولود فى «قولة» قد أتى إلى مصر غازياً مع الفرقة الألبانية التابعة للدولة العثمانية، ولم يأتها زائراً أو سائحاً، وأنه عندما حكم مصر قد ذبح المماليك لينفرد بالسلطة... أجل... لقد أنشأ مصر الحديثة، وأوفد البعثات العلمية إلى أوروبا، وأنشأ مدارس الطب والهندسة والزراعة والألسن، وكون بالغزو إمبراطورية أو شبه إمبراطورية، لكنه إستولى على كل أراضى مصر الزراعية، وجعل من نفسه المالك الوحيد لها، وطبق رأسمالية الدولة. ولعل مشروع «ذاكرة مصر المعاصرة» قد ذكر فيما ذكر أن محمد على وأسرته كانوا الحلقة الأخيرة فى سلسلة الحكام الأجانب أو غير المصريين الذين حكموا مصر على امتداد ثلاثة آلاف سنة متصلة! ولا أعرف إذا كان المشروع قد أكد أن محمد نجيب هو أول رئيس لجمهورية مصر أم أنه قد تجاهل ذلك؟ وهل سجل ما نشب من خلاف بين نجيب وعبدالناصر، وذكر الأسباب الحقيقية الكامنة وراء هذا الخلاف؟ وهل سجل حادث المنشية ومحاولة اغتيال عبدالناصر؟... هل ذكر هذه الواقعة وتوصل إلى من دبرها... هل هم الإخوان المسلمون كما قيل أم أنها مسرحية أعدت بمهارة للتخلص من الإخوان المسلمين المتصارعين على السلطة مع عبدالناصر؟ وهل عاد مشروع «ذاكرة مصر المعاصرة»، فى توثيقه لتاريخ مصر النيابى خلال هذه الفترة، إلى مضابط مجالسنا النيابية ليسجل لنا صحواتها وغفواتها، وينقل إلينا المواقف الرائعة لقلة من نوابنا دفاعاً عن الحريات ومصالح الشعب؟... هل سجل استبسال الدكتور عزيز فهمى فى برلمان سنة 1950 دفاعاً عن حرية الصحافة؟... هل سجل من تاريخنا النيابى قصة النائب الراقص تحت قبة البرلمان بعد أيام من هزيمة يونيو؟... هل ذكر مجالسنا النيابية الشكلية أو الصورية التى سيطرت عليها السلطة التنفيذية فوضعت تمثال رئيسها فى قاعاتها؟ وفى توثيق المشروع للأحداث التى وقعت فى فترة حكم عبدالناصر... هل اكتفى بتسجيل الإيجابيات وحدها أم أنه وكما تقتضى الأمانة التاريخية، قد سجل الإيجابيات والسلبيات معاً؟ وفى اعتقادى أن مشروع «ذاكرة مصر المعاصرة» قد استعرض كل ما طرح من آراء مختلفة حول أحداث بعينها، فهناك من يرى أن أحداث 15 مايو ثورة تصحيح، وهناك من يرى أنها مجرد صراع على السلطة، ومن يرى أن حرب أكتوبر قد حققت النصر المنشود، ومن يرى أنها لم تحقق النصر الذى كان يتمناه الشعب المصرى، وأنها كانت مجرد حرب محدودة لتحريك قضية ساكنة، كذلك فلقد اختلفت الآراء حول زيارة السادات لإسرائيل، وحول اتفاقية «كامب ديفيد». ويبقى - بعد مشروع «ذاكرة مصر المعاصرة» - حلم كبير... أن توضع موسوعة لتاريخ مصر من عصر ما قبل الأسرات إلى يوم الناس هذا إن الزهو الذى نستشعره عندما نسمع أو نقرأ أننا شعب حضارى له تاريخ ضارب فى القدم، وحضارة تمتد جذورها فى الزمن إلى سبعة آلاف عام قبل الميلاد، وأننا نتفرد بهذه الميزة دون سائر شعوب العالم.. هذا الزهو الذى نحسه يحتم علينا، كأبناء لهذه الحضارة، أن نقر أ تاريخ وطننا! عند ذلك نجابه بمعوقات كثيرة! مثلاً: عن مصر الفرعونية... لا نجد إلا الأقل من كتب سليم حسن وأحمد فخرى التى تغطى هذه الفترة، ونفتقد أكثرها! وبالنسبة لمصر العصر الوسيط نجد أننا مضطرون لارتياد الصنادقية والجمالية بحثاً عن كتب المقريزى وابن إياس عند تجار الكتب القديمة، فإذا عثرنا عليها - مع استحالة ذلك - حال دون استيعابها بُعد أسلوبها عن أسلوب العصر الذى نعيشه! وعن مصر العصر الحديث لا نجد إلا مؤلفات الرافعى التى تؤرخ لها! وإذا افترضنا أن الظروف ساعدتنا وأتاحت لنا العثور على ما يزيد من مراجع... وُوجهنا بفترات طويلة سقطت من تاريخ مصر دون أن يؤرخ لها أو تستوفى حقها من التسجيل مما يقطع السياق التاريخى والتسلسل الزمنى للأحداث! ثمة محاولات قليلة بذلت لجمع تاريخ مصر وكتابته باءت كلها بالفشل... محاولة حاولها فؤاد الملك السابق وعهد بها إلى جابرييل هانوتو ليصدر مجموعة تاريخ مصر بالفرنسية، وكأن فؤاد أراد أن يكتب تاريخ مصر لغير أبناء مصر! ومحاولة أخرى قامت بها وزارة الثقافة والإرشاد القومى سنة 1964 عندما أرادت أن تعيد كتابة تاريخ مصر القومى فأسست اللجان من كبار المؤرخين والعلماء وأساتذة الجامعات.... وفجأة - بسبب أو بغير سبب - تعثر المشروع وأطفأ شعلة الحماس إعصار بارد! إننا فى أمسّ الحاجة إلى موسوعة تحوى تاريخ مصر منذ بدء تاريخها المكتوب إلى اليوم مع مراعاة التسلسل الزمنى للأحداث، ودون أن نترك عصراً أو حدثاً لا نفيه حقه من التاريخ والتسجيل. إن من حق الصفوة المستنيرة من شبابنا الواعد، بل من حق كل مصرى، أن تيسر له قراءة تاريخ وطنه، والتعرف على حضارته بطريقة وأسلوب عصريين! أعرف أنه حُلم بعيد التحقق ومطلب عزيز المنال... لكنه الأمل!!!